الإثنين 22 ديسمبر 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
تحليل

2025 عام القوة للجنيه المصري أمام الدولار.. كيف حول البنك المركزي المحنة إلى انتصار؟

الإثنين 22/ديسمبر/2025 - 02:27 م
قوة الجنيه أمام الدولار
قوة الجنيه أمام الدولار

في صباح الاثنين هذا، يتداول الجنيه المصري مقابل الدولار الأمريكي عند مستوى 47.47 جنيهًا للدولار الواحد، في انخفاض طفيف بنسبة 0.06% عن الجلسة السابقة، وهذا الرقم ليس مجرد أرقام باردة على شاشات البورصة، إنه شاهداً حيًا على رحلة بطولية عاشتها العملة المصرية خلال عام 2025، عام التحديات الجسام والانتصارات المدوية.

ومن أعلى مستوياته المقلقة عند 51.707 جنيه في أبريل، إلى هذا الاستقرار النسبي اليوم، يروي الجنيه قصة كفاح اقتصادي يجسد إصرار الأمة على النهوض.

وفي قلب هذه الملحمة، يقف البنك المركزي المصري كبطل صامت، يدير أدواته النقدية بحكمة ليس فقط لدعم الجنيه، بل لإنقاذ الدولة من محنتها الاقتصادية العميقة.

وفي هذا التقرير، من بانكير، نغوص في تفاصيل هذه الرحلة، لنكشف كيف تحولت الأزمة إلى فرصة، وكيف أصبح الجنيه رمزًا للأمل في مستقبل أكثر إشراقًا.

البداية المعتمة والأزمة الكبرى

ومع حلول عام 2025، كانت مصر لا تزال تلهث آثار أزمة اقتصادية ورثتها من السنوات السابقة، وفي 2022-2023، شهدت البلاد تضخمًا يفوق 25%، وانهيارًا في احتياطيات العملة الأجنبية، وفقدان الجنيه لأكثر من ثلثي قيمته مقابل الدولار.

وكانت الضغوط الخارجية، من جائحة كورونا الممتدة، إلى التوترات الإقليمية في الشرق الأوسط، وارتفاع أسعار الطاقة العالمية، قد أشعلت حريقًا اقتصاديًا يهدد بإحراق كل شيء.

وفي الربع الأول من 2025، بلغ سعر الصرف أوجًا مخيفًا، حيث تجاوز 50 جنيهًا للدولار، مما أثار موجة من الذعر بين المواطنين والمستثمرين.

وكانت مصر تواجه "محنتها الاقتصادية" كما وصفها الخبراء، حيث انخفض النمو الاقتصادي إلى 2.4% في العام المالي السابق، وأصبح الجنيه رمزًا للضعف واليأس، ولكن في هذه اللحظة الحرجة، دخل البنك المركزي المشهد كمنقذ استراتيجي.

وتحت قيادة، الدكتور حسن عبد الله، اعتمد البنك على إطار عمل مرن يجمع بين السياسات النقدية الجريئة والتعاون الدولي.

وأولى الخطوات البارزة كانت الالتزام الكامل ببرنامج صندوق النقد الدولي، الذي أكملت مصر مراجعته الرابعة في فبراير 2025، محققة نجاحًا يعتبر "استثنائيًا" حسب تقرير الصندوق.

وهذا البرنامج، بقيمة 8 مليارات دولار، لم يكن مجرد قروض، بل كان خطة شاملة لتحرير سعر الصرف، وتعزيز الشفافية في سوق العملات، وتقليل التدخلات غير الضرورية.

ووفقًا لتقرير IMF، ساهم هذا في استعادة الثقة الدولية، حيث ارتفع الاستثمار الأجنبي المباشر بنسبة ملحوظة في الربع الثاني.

البنك المركزي

التدخلات الجريئة واستخدام البنك المركزي لأدواته

والسؤال المطروح: ما الذي جعل البنك المركزي ناجحًا في دعم الجنيه؟، الإجابة تكمن في مزيج من الإجراءات الدقيقة والقرارات الشجاعة.

وأبرزها سلسلة خفض أسعار الفائدة المتتالية، التي بلغت إجماليًا 6.25 نقطة مئوية خلال العام.

ووهذه الخطوات لم تكن عشوائية، بل استندت إلى مراقبة دقيقة لمعدلات التضخم، الذي انخفض إلى 12.1% في أكتوبر من 11.3% في الشهر السابق، مع توقعات بوصوله إلى 10% في 2026.

وفي اجتماع نوفمبر، قرر البنك الحفاظ على المعدلات دون تغيير، معتبرًا أن الاقتصاد "يسخن" بنمو حقيقي في الناتج المحلي الإجمالي يصل إلى 5.2% في الربع الثالث، مدفوعًا بقطاعات الاستثمار والسياحة.

ولم يقتصر الدعم على الفائدة، فقد اعتمد البنك إطارًا للتدخل في سوق الصرف الأجنبي يركز على "تهدئة التقلبات" بدلاً من الدفاع عن سعر ثابت.

وفي تقرير السياسة النقدية للربع الثالث، أكد البنك أن تدخلاته كانت "موجهة نحو الاستقرار"، مما ساهم في انخفاض قيمة الدولار بنسبة 6.47% مقابل الجنيه طوال العام.

وهذا النهج المرن، الذي بدأ مع تحرير سعر الصرف في 2024، أدى إلى تقدير الجنيه بنسبة 2.06% من أكتوبر 2024 إلى أكتوبر 2025.

كما ساهم البنك في تعزيز السيولة الأجنبية عبر صفقات تبادل عملات مع بنوك مركزية عربية ودولية، مما رفع احتياطيات العملة إلى مستويات تكفي لستة أشهر من الواردات.

وفي الوقت نفسه، لم يغفل البنك عن الجانب الاجتماعي، حيث أعلن في سبتمبر عن ارتفاع معدلات الإدراج المالي إلى 76.3% بحلول يونيو 2025، مدعومًا ببرامج للقطاع الخاص والأسر الريفية، مما قلل من الاعتماد على النقد ودعم الاستقرار المالي.

وهذه الإجراءات لم تكن مجرد رد فعل، بل كانت جزءًا من رؤية استراتيجية تهدف إلى "نظام نقدي سليم واستقرار أسعار"، كما يلخص تقرير الاستقرار المالي لمارس 2025، الذي سجل نمو الودائع بنسبة 25.3%.

تعزيز الاحتياطي النقدي لمستوى تاريخي

وفي إنجاز اقتصادي غير مسبوق، نجح البنك المركزي المصري في تعزيز صافي الاحتياطيات الدولية من النقد الأجنبي ليصل إلى 50.2157 مليار دولار أمريكي بنهاية نوفمبر 2025، مسجلاً بذلك أعلى مستوى تاريخي في تاريخ الاقتصاد المصري، متجاوزاً حاجز الـ50 مليار دولار لأول مرة على الإطلاق.

وهذا الارتفاع، الذي بلغ 144.4 مليون دولار مقارنة بـ50.071 مليار دولار في أكتوبر السابق، جاء مدعوماً بزيادة ملحوظة في أرصدة الذهب بنحو 707 ملايين دولار لتصل إلى 17.252 مليار دولار، رغم انخفاض طفيف في أرصدة العملات الأجنبية وحقوق السحب الخاصة.

الاقتصاد المصري

كما يعكس هذا الإنجاز قوة السياسات النقدية الجريئة التي اعتمدها البنك المركزي، بالإضافة إلى تدفقات قوية من التحويلات المصريين في الخارج التي بلغت 30.2 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2025، وتعافي إيرادات السياحة والصادرات، مما وفر درعاً واقياً ضد الصدمات الخارجية ودعماً حاسماً لاستقرار الجنيه المصري وتلبية الالتزامات الدولية، مع تغطية تفوق 8 أشهر من الواردات السلعية، وهو ما يتجاوز بكثير المعايير الدولية للسلامة المالية.

ومع اقتراب نهاية العام، تتوقع الجهات الدولية مثل فيتش مزيداً من الارتفاع ليصل إلى نحو 52.6 مليار دولار بنهاية السنة المالية، مؤكدة على مسار التعافي الاقتصادي الذي يقوده البنك المركزي بحكمة وإصرار.

قوة الجنيه ونهوض الاقتصاد

وبفضل هذه الجهود، تحولت رحلة الجنيه من سقوط حر إلى صعود تدريجي، وفي الربع الثالث، ارتفع النمو الاقتصادي إلى 5.3% في الربع الأول من العام المالي 2025/2026، مقارنة بـ3.5% في العام السابق، مدعومًا باستثمارات في البنية التحتية والطاقة المتجددة.

وترقية التصنيف الائتماني إلى "B" من قبل وكالة ستاندرد آند بورز في أكتوبر تعكس هذا النجاح، حيث أشادت الوكالة بالنمو السريع إلى 4.4% في العام المالي.

ومع ذلك، لم يكن الطريق خاليًا من العثرات، فقد أعاد التضخم ارتفاعًا طفيفًا في نوفمبر، مما أبطأ الزخم قليلاً، لكن البنك سرعان ما أعاد توجيه السياسات للحفاظ على التوازن.

أما بالنسبة لدعم الدولة في محنتها، فإن نجاح البنك امتد إلى الجوانب الاجتماعية والإقليمية، ففي ظل التوترات الإقليمية، دعت قيادة البنك إلى تعاون مع البنوك المركزية العربية لمواجهة التضخم والتقلبات، مما عزز دور مصر كقائد إقليمي.

كما ساهمت الإصلاحات في تقليل الفقر الريفي، رغم استمرار التحديات، حيث أشارت تقارير البنك الدولي إلى أن الاستقرار النقدي ساعد في توزيع فوائد النمو بشكل أفضل.

واليوم، مع توقعات بوصول النمو إلى 8% إذا استمرت الإصلاحات الهيكلية، يبدو الجنيه ليس مجرد عملة، بل رمزًا للصمود الوطني.

أفق أمل

ومع اقتراب نهاية 2025، يقف الجنيه على أعتاب عام جديد يحمل وعودًا كبيرة، وتوقعات الخبراء تشير إلى ارتفاع طفيف في سعر الصرف إلى 47.68 في الشهر القادم، لكن الاتجاه العام إيجابي، مع تضخم يقترب من هدف البنك (7% ±2%) بحلول نهاية 2026.

ونجاح البنك المركزي لم يكن مصادفة، بل نتيجة لقرارات جريئة، تعاون دولي، وتركيز على الاستقرار طويل الأمد.

ورحلة الجنيه المصري في 2025 ليست مجرد قصة اقتصادية، إنها حكاية أمة تتحدى المستحيل، والبنك المركزي، بإصراره على الدعم الشامل، لم يقو الجنيه فحسب، بل أعاد بناء الثقة في مستقبل مصر.

وفي زمن الضعف، أثبتت القوة أنها ليست في العضلات، بل في الحكمة والصبر، ومع غروب شمس هذا العام، يشرق فجر جديد يعد بمزيد من الانتصارات.