سوق الشحن البحري يشتعل… أسعار ناقلات النفط العملاقة تسجل أعلى مستوى منذ خمس سنوات
شهد سوق شحن النفط العالمي ارتفاعًا قياسيًا في تكاليف استئجار ناقلات الخام العملاقة، بعدما وصلت أسعار تأجير هذه السفن إلى أعلى مستوى لها منذ أكثر من خمس سنوات، وفق تقرير لوكالة بلومبيرج، وذلك في ظل تأثير مباشر للعقوبات الأميركية الأخيرة التي طالت شركات نفط وشحن روسية كبرى. وتسببت هذه العقوبات في اضطراب واسع داخل منظومة النقل البحري للنفط الروسي، ما أعاد رسم خريطة الإمدادات وحركة السفن في ممرات التجارة الدولية.
وأفاد التقرير بأن تكلفة استئجار ناقلة نفط عملاقة من فئة "VLCC"، التي يمكنها نقل ما يصل إلى مليوني برميل من الخام في الرحلة الواحدة، تجاوزت مستويات لم تشهدها السوق منذ عام 2019، وذلك مع ارتفاع الطلب على الناقلات البديلة وارتفاع مخاطر التشغيل والتأمين على السفن المرتبطة بروسيا. ويعتمد السوق العالمي على هذه الفئة من الناقلات لنقل كميات ضخمة من الخام من الشرق الأوسط وروسيا إلى آسيا وأوروبا والولايات المتحدة.
وأوضح محللون أن العقوبات الأميركية الجديدة استهدفت عددًا من أكبر الشركات الروسية العاملة في مجال النقل البحري والتجارة النفطية، وهو ما أدى إلى خروج عدد كبير من السفن من الخدمة التجارية النظامية، أو انتقالها إلى ما يسمى بـ"الأسطول المظلم" الذي يعمل خارج منظومة عقود الشحن الرسمية وبمستويات مخاطرة أعلى وأسعار مرتفعة. وأضاف التقرير أن هذه التطورات دفعت المشترين والموردين للبحث عن ناقلات بديلة من السوق المفتوح، مما تسبب في ندرة بالسفن المتاحة وقفزة حادة في الأسعار.
ويرى خبراء الطاقة أن الزيادة الأخيرة لا تتعلق فقط بارتفاع تكاليف الشحن المباشر، بل تشمل أيضًا الارتفاع في التأمين البحري وتكاليف المخاطر المرتبطة بالإبحار في ممرات ملاحية تشهد تشديدًا في الرقابة. ويُعد نقل النفط الروسي من بين العمليات الأكثر تكلفة حاليًا، خصوصًا مع اضطرار السفن لاتباع مسارات أطول لتجنب الموانئ أو النقاط التي تخضع للتدقيق القانوني أو المالي من جانب الدول الغربية.
كما أشارت تقديرات من قطاع النقل البحري إلى أن بعض عمليات شحن النفط من روسيا إلى الصين والهند – وهما أكبر مستوردين للخام الروسي – باتت تستغرق وقتًا أطول وتكلفة أكبر، خاصة مع إعادة تنظيم خطوط الشحن بعد القيود المفروضة على شركات ومؤسسات وسيطة كانت تلعب دورًا رئيسيًا في إدارة حركة الناقلات وتقديم الخدمات اللوجستية للسفن الروسية.
من جانب آخر، يشير متعاملون في السوق إلى أن هذه التحركات قد تمتد تأثيراتها إلى المستهلكين النهائيين في شكل زيادة محتملة في أسعار البنزين والديزل في عدة مناطق حول العالم، إذا استمرت تكاليف الشحن في الصعود خلال الأسابيع المقبلة. كما يرى محللون أن استمرار الضغط على قطاع الشحن قد يدفع بعض الشركات الغربية للبحث عن شراكات جديدة أو بدائل لوجستية في محاولة لتقليل التعرض للمخاطر المالية والقانونية الناجمة عن التعامل مع ناقلات مرتبطة بروسيا.
وتُعد السوق البحرية واحدة من أكثر القطاعات تأثرًا بالصراعات الجيوسياسية، حيث لا تقتصر العقوبات على الشركات المستهدفة مباشرة، بل تمتد تأثيراتها إلى السلاسل التجارية بأكملها، وهو ما يظهر جليًا في قفزة تكاليف تأجير ناقلات النفط الحالية.
