الخير قادم بكثرة.. تدفقات الأموال ترفع طموحات الاستثمار الأجنبي المباشر في مصر
في ظل موجة غير مسبوقة من الصفقات الاستثمارية الكبرى، تتسارع مصر نحو تحقيق قفزة نوعية في جذب الاستثمار الأجنبي المباشر خلال عام 2025، ما دفع الحكومة إلى رفع سقف توقعاتها وطموحاتها للأعوام المقبلة.
وصفقات بعشرات المليارات من الدولارات مع مستثمرين خليجيين وصينيين وأوروبيين وأمريكيين تؤكد أن مصر عادت بقوة إلى خريطة الوجهات الاستثمارية العالمية، وأن "الخير قادم بكثرة" ليس شعاراً بل واقعاً يتشكل يوماً بعد يوم.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض كيف نجحت الدولة المصرية في جذب استثمارات جبارة فاقت التوقعات ومازالت تتدفق بغزارة.
طفرة استثمارية غير مسبوقة في 2025
وخلال الأشهر العشرة الأولى من عام 2025، شهدت مصر زيادة ملحوظة في تدفقات الاستثمار الأجنبي المباشر، توجت بأكبر صفقة استثمارية في تاريخ البلاد حتى الآن، وهي تطوير وتنمية 4900 فدان في منطقة علم الروم بالساحل الشمالي الغربي باستثمارات إجمالية تصل إلى 29.7 مليار دولار مع شركة الديار القطرية.
وقبلها بشهرين فقط، وقعت شركتا "إعمار مصر" و"الشربتلي السعودية" اتفاقية تطوير مشروع "مراسي البحر الأحمر" باستثمارات تقارب 19 مليار دولار (900 مليار جنيه مصري).
وفي المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، تم توقيع 44 مشروعاً صناعياً ولوجستياً في القنطرة غرب بإجمالي 1.16 مليار دولار.
كما شهد العام توقيع عشرات الصفقات متوسطة وصغيرة الحجم مع شركات سعودية وإماراتية وصينية وتركية وأمريكية وأوروبية في قطاعات السيارات، الملابس الجاهزة، المنسوجات، الأجهزة المنزلية، والطاقة المتجددة.
الحكومة ترفع سقف الطموحات
والحكومة لم تعد تركز على مستهدفات رقمية صلبة للاستثمار الأجنبي المباشر، بل على استقطاب شركات وأنشطة نوعية من قطاعات محددة.
والهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة تقوم بعرض الفرص الاستثمارية المصرية على كبرى الشركات العالمية بشكل ممنهج لضمان تدفق استثمارات جديدة ومستدامة.
وبحسب السردية الوطنية للتنمية الاقتصادية، تستهدف مصر الوصول بالاستثمار الأجنبي المباشر إلى:
- 16.1 مليار دولار في العام المالي 2025-2026
- 17.8 مليار دولار في 2026-2027
- 20 مليار دولار في 2027-2028
- 22.8 مليار دولار في 2028-2029
- 24.6 مليار دولار بحلول 2029-2030

كيف تنعكس هذه الاستثمارات على الاقتصاد المصري؟
الخبير الاقتصادي مصطفى بدرة أكد أن التدفقات الجديدة ستظهر آثارها الإيجابية تدريجياً على سعر الصرف، عوائد التصدير، والميزان التجاري.
وأوضح أن دخول الدولار عبر الاستثمار المباشر يزيد المعروض من العملة الصعبة دون خلق التزامات ديون مستقبلية، مشيراً إلى أن الأثر الكامل يحتاج من سنة إلى ثلاث سنوات حتى تبدأ المصانع والمشروعات في الإنتاج والتصدير.
من جانبه، شدد الخبير الاقتصادي محمد أنيس على أن الاستثمارات الموجهة للتصدير تعالج جذرياً مشكلة اختلال الميزان التجاري المزمنة في مصر، وتقلل الضغوط على سعر الصرف والتضخم.
وأشار إلى أن حتى الاستثمارات العقارية الخليجية الكبرى تحمل بعداً دولارياً قوياً لأنها تجذب عملاء أجانب وتزيد إيرادات السياحة والخدمات الفندقية.
تقليل الاقتراض الخارجي وتحسين التصنيف الائتماني في الأفق
ويرى أنيس أن كل مليار دولار إضافي من الاستثمار الأجنبي المباشر يقلل بشكل مباشر من حجم الفجوة التمويلية، وبالتالي يخفض حاجة الدولة للاقتراض الخارجي.
ويتوقع استقرار سعر الدولار عند مستوى 48 جنيهاً خلال الفترة المتبقية من 2025 وطوال 2026، مع توقع تحسن جديد في التصنيف الائتماني لمصر من وكالات موديز وفيتش وستاندرد آند بورز بنهاية برنامج صندوق النقد الدولي خلال تسعة أشهر تقريباً.
مصر تعيد رسم خريطة الاستثمار في المنطقة
ومع توقيع صفقات تقترب قيمتها الإجمالية من 60 مليار دولار خلال أقل من عامين (من رأس الحكمة وعلم الروم ومراسي البحر الأحمر وغيرها)، تؤكد مصر أنها لم تعد مجرد سوق ناشئة واعدة، بل وجهة استثمارية استراتيجية تجمع بين الحجم والتنوع والاستدامة.
والأهم أن هذه التدفقات تأتي في توقيت مثالي لدعم استقرار الجنيه، تقليل الدين، وزيادة الصادرات، ما يضع الاقتصاد المصري على أعتاب مرحلة نمو جديدة.


