متى ينتهي الصراع الأمريكي الصيني؟.. حرب الرسوم والموارد الاستراتيجية تهدد الاقتصاد العالمي | إيه الحكاية
تصاعدت المواجهة بين واشنطن وبكين من جديد، لتفتح جبهة اقتصادية تبدو بلا نهاية، عنوانها "الرسوم الجمركية" ووقودها "الموارد الاستراتيجية"، فبعد أشهر من الهدوء الحذر، عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليشعل فتيل الأزمة مجددا، ملوحا برفع الرسوم على السلع الصينية إلى 155%، في حال لم يتم التوصل إلى اتفاق تجاري خلال هذا الشهر، وهو ما اعتبرته بكين تصعيدا مباشرا في معركة النفوذ الاقتصادي العالمي.
هذه المواجهة ليست مجرد خلاف تجاري على بضائع وأسعار، بل هي صراع عميق على من يمتلك مفاتيح الاقتصاد العالمي في المستقبل، وسط تراجع حاد في حركة التجارة بين البلدين، وانعكاسات واسعة طالت قطاعات الزراعة والطاقة والتكنولوجيا، وحتى الأسواق المالية.
تراجع الثقة بين أكبر اقتصادين في العالم
البيانات التجارية الحديثة تكشف حجم التدهور في العلاقات الاقتصادية بين الولايات المتحدة والصين، حيث شهدت التجارة الثنائية بينهما انخفاضا متواصلا للشهر السادس على التوالي، وهذا التراجع لم يكن رقمها فحسب، بل مثل تحولا في الثقة بين أكبر اقتصادين عالميا، وألقى بظلاله على الاستثمارات الدولية التي بدأت تتخوف من امتداد الأزمة إلى أسواق أخرى.
وفي الوقت نفسه، تسعى الصين إلى إعادة ترتيب أوراقها الاستراتيجية، بعد أن توقفت تقريبا عن شراء فول الصويا الأميركي الذي كانت تستورد منه بنحو 13 مليار دولار سنويا، ومع انخفاض مشترياتها من السلع الزراعية الأميركية بنسبة 53% منذ بداية العام، تقدر خسائر المزارعين الأميركيين بما يقرب من 50 مليار دولار، وهي ضربة موجعة لقطاع يمثل قاعدة انتخابية رئيسية للرئيس الأميركي.

أزمة تصدير المعادن النادرة من الصين إلى أمريكا
الأزمة لم تقف عند حدود الزراعة، بل امتدت إلى قطاعات أكثر حساسية، فواشنطن تعتمد على بكين في أكثر من 80% من وارداتها من المعادن النادرة المستخدمة في الصناعات الدفاعية والتكنولوجية المتقدمة، وهو ما دفع الصين إلى فرض قيود على تصدير هذه المعادن، في خطوة اعتبرها الأميركيون تهديدا مباشرا لصناعاتهم الاستراتيجية، بدءا من الطائرات وحتى الشرائح الإلكترونية الدقيقة.
هذا التداخل بين الاقتصاد والتكنولوجيا جعل المواجهة أكثر تعقيدًا، إذ أصبحت أي خطوة في مجال الرسوم الجمركية أو القيود التجارية قادرة على التأثير في توازنات الأسواق العالمية، بل وحتى في القدرات العسكرية للدولتين.
الاتفاق التجاري.. خطوة محتملة محفوفة بالمخاطر
وبحسب تقرير نشرته “سكاي نيوز” اكدت فيه، انه رغم سخونة المشهد، لا تزال هناك محاولات للوصول إلى اتفاق تجاري جديد بين الجانبين، لكنه ـ وفق تقديرات خبراء الاقتصاد ـ اتفاق هش يحمل في طياته احتمالات التصادم أكثر من احتمالات الاستقرار.
ويرجح أن يتضمن أي اتفاق مقبل تحديد سقف للرسوم الجمركية لا يتجاوز 15%، على غرار ما تم التوافق عليه سابقا مع الاتحاد الأوروبي واليابان، مقابل التزامات متبادلة بين الطرفين، منها استمرار تصدير المعادن النادرة من الصين إلى الولايات المتحدة، واستئناف واردات فول الصويا والغاز الأميركي، في مقابل فتح الأسواق الأميركية أمام الرقائق والمنتجات الصينية، ولكن بحدود معينة.
لكن واشنطن ـ بحسب محللين ـ تسعى من وراء أي اتفاق إلى كبح الصعود الصيني المتسارع في مجالات التكنولوجيا والطاقة، بينما تراهن بكين على قدرتها في امتصاص القيود وإعادة توجيه تجارتها نحو شركاء بدائل.

أوراق القوة الصينية في المواجهة مع أمريكا
في هذه الحرب المعقدة، تمتلك الصين ثلاث أوراق ضغط رئيسية تمنحها قدرة على المناورة وهي:
- الطاقة والتحالفات الروسية، حيث تعمل على تعزيز شراكتها مع موسكو لتأمين احتياجاتها من الغاز الطبيعي، وتقليل اعتمادها على الطاقة الأميركية.
- المعادن النادرة، فبرغم أن قيمتها لا تتجاوز 5% من الصادرات الصينية لأميركا (نحو 28 مليار دولار من إجمالي 600 مليار دولار)، إلا أن دورها الحيوي في الصناعات الحساسة يجعلها سلاحا استراتيجيا لا يستهان به.
- الضغط الانتخابي الداخلي، إذ يواجه الرئيس الأميركي انتقادات حادة من المزارعين المتضررين، ما يجعل الأزمة الاقتصادية ورقة انتخابية مؤثرة في الداخل الأميركي.
البعد الاستراتيجي والعسكري في الصراع الأمريكي الصيني
الصراع الأميركي الصيني لا يمكن فصله عن البعد العسكري، فبكين ترى أن واشنطن تستخدم تايوان وحلفاءها الآسيويين كورقة لتهديد أمنها القومي، من خلال تزويدهم بالأسلحة وتوسيع التحالفات الدفاعية في بحر الصين الجنوبي، وهذه التحركات تضيف بعدا أمنيا للأزمة الاقتصادية، وتزيد من حساسية أي خطوة على طاولة المفاوضات.

تصريحات الرئيس الأميركي الأخيرة حول رفع الرسوم الجمركية فهمت على نطاق واسع بأنها ورقة ضغط تفاوضية أكثر من كونها قرارا نهائيا، إذ إن تنفيذها فعليا سيؤدي إلى اضطرابات قاسية في الأسواق العالمية، خاصة في أسواق السندات الأميركية، وهو ما قد يرتد سلبا على الاقتصاد الأميركي نفسه.
ويرى خبراء، بحسب تقرير سكاي نيوز، أن أي اتفاق محتمل سيتم التركيز فيه على الجوانب الاقتصادية المعلنة أمام الإعلام، بينما تترك الملفات الحساسة مثل التكنولوجيا والدفاع والطاقة للتفاوض بعيدا عن الأضواء.
الحرب التجارية بين أمريكا والصين أزمة أكبر من الاقتصاد
المشهد الراهن يؤكد أن الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تجاوزت فكرة الرسوم الجمركية إلى صراع نفوذ شامل يمتد إلى الاقتصاد والسياسة والأمن القومي، فكلا الطرفين يمتلك أدوات ردع وضغط، لكن كلفة المواجهة المباشرة تجعل الحلول المؤقتة والاتفاقات الجزئية الخيار الأقرب في المدى المنظور.
وبالرغم كل محاولات التهدئة، فإن الأزمة تبدو أبعد من أن تحسم قريبا، لأن الرهان الحقيقي لم يعد على من يبيع أكثر، بل على من يحكم النظام الاقتصادي العالمي في السنوات القادمة.


