53 مليار دولار خطة إعمار غزة.. كيف تنعكس قمة شرم الشيخ للسلام على الاقتصاد المصري؟

في لحظة فارقة من تاريخ المنطقة، تتجه أنظار العالم اليوم إلى مدينة شرم الشيخ، حيث تستضيف مصر قمة السلام بمشاركة عدد كبير من قادة وزعماء العالم، وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لبحث إبرام اتفاقية وقف إطلاق النار في غزة ووقف الحرب التي ألقت بظلالها على المنطقة والعالم.
قمة السلام في شرم الشيخ، لا تعد حدثا سياسيا فحسب، بل تحمل بين طياتها انعكاسات اقتصادية عميقة على مصر والمنطقة خلال المرحلة المقبلة، في ظل ترقب الأسواق وتحركات رؤوس الأموال العالمية تجاه إعمار غزة خلال السنوات القليلة المقبلة.
تأثير إنهاء حرب غزة على الاقتصاد المصري
تأتي هذه القمة في وقت حقق فيه الاقتصاد المصري معدلات نمو ملحوظة خلال الموسمين الماضيين، خاصة العام الماضي، الذي شهد توقيع صفقة “رأس الحكمة” بقيمة 35 مليار دولار، وهي الصفقة التي ساهمت بصورة مباشرة في تعزيز الاحتياطي النقدي الأجنبي ودعم استقرار سعر صرف الجنيه المصري، الأمر الذي انعكس إيجابا على مؤشرات الاقتصاد الكلي.
وكشفت تحليلات اقتصادية أن نجاح قمة السلام في شرم الشيخ في التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار سيمنح الاقتصاد المصري دفعة إضافية خلال الفترة المقبلة، خصوصًا مع تحسن بيئة الاستثمار واستقرار حركة التجارة العالمية.

9 مليارات دولار خسائر قناة السويس بسبب حرب غزة
على مدار العامين الماضيين، ألقت الصراعات الجيوسياسية في المنطقة ـ وعلى رأسها حرب غزة ـ بظلالها الثقيلة على حركة التجارة العالمية، الأمر الذي تسبب في تراجع إيرادات قناة السويس بنحو 9 مليارات دولار، وهذا التراجع جاء نتيجة عزوف عدد من شركات الملاحة العالمية عن المرور عبر القناة في ظل حالة عدم الاستقرار في البحر الأحمر.
لكن اليوم يمثل نقطة تحول مهمة، فنجاح القمة قد يعيد حركة التجارة لطبيعتها ويشجع شركات الشحن العالمية على العودة لقناة السويس، بما ينعكس بشكل مباشر على زيادة إيرادات القناة والتي تعد أحد أهم مصادر النقد الأجنبي لمصر.
مصر لاعب محوري في إعادة إعمار غزة
من المحاور الاقتصادية البارزة التي يترقبها الشارع المصري والعالمي، الدور الكبير الذي ستلعبه القاهرة في خطة إعمار غزة، فقد وضعت مصر في مارس الماضي خطة إعمار شاملة بتكلفة 53 مليار دولار على مرحلتين، المرحلة الأولى تشمل إزالة نحو 50 مليون طن من الركام وبناء مساكن مؤقتة للنازحين.
أما المرحلة الثانية من خطة إعمار غزة ستستغرق نحو 5 سنوات وتشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية تستوعب 1.6 مليون مواطن، إضافة إلى مطار دولي، ومناطق صناعية، ومنطقة تجارية متكاملة، وهذا الدور لا يرسخ فقط مكانة مصر الجيوسياسية، بل يعزز فرص الشركات المصرية في الاستفادة من عقود الإعمار الضخمة.

قفزة في أسهم مواد البناء والأسمنت في البورصة المصرية
انعكست التوقعات الإيجابية لقمة السلام وخطة إعمار غزة سريعًا على سوق المال المصرية، خاصة قطاع مواد البناء، حيث ارتفعت مؤشرات قطاع البناء داخل البورصة المصرية كالتالي.
- ارتفع مؤشر قطاع مواد البناء في البورصة المصرية بنحو 12% في تعاملات الأمس.
وقادت شركات الأسمنت المصرية موجة الارتفاعات في أسهم مواد البناء داخل البورصة المصرية، حيث ارتفع:
- أسمنت سيناء 20% كونها الأقرب جغرافيًا إلى غزة.
- جنوب الوادي للأسمنت: 7%.
- العربية للأسمنت: 20%.
- مصر قنا للأسمنت: 17.8%.
هذه القفزات تعكس ثقة المستثمرين في تحرك السوق المصري مع اقتراب مرحلة إعادة الإعمار المنتظرة، وتعكس في الوقت نفسه الأهمية الاقتصادية المتوقعة للحدث السياسي الجاري في شرم الشيخ.

خطاب: مصر على أعتاب مرحلة اقتصادية جديدة
وفي هذا السياق، توقع الخبير الاقتصادي أحمد خطاب، أن تشهد مصر الفترة المقبلة ارتفاعا تدريجيا في معدلات النمو مع تحسن الأوضاع الإقليمية، خاصة عقب انتهاء الحرب في غزة، مشيرا إلى أن نجاح قمة السلام في شرم الشيخ ستعيد الهدوء إلى المنطقة والاستقرار إلى الشرق الأوسط ويساهم في انتعاش حركة التجارة العالمية.
وأضاف خطاب، في تصريحات خاصة لـ بانكير، أن استقرار الأوضاع الجيوسياسية سينعكس بشكل مباشر على عودة النشاط التجاري لقناة السويس، ما يرفع من إيراداتها ويسهم في تعزيز الاحتياطي النقدي وتحسين مستوى ميزان المدفوعات، مؤكدًا أن ذلك سيفتح المجال أمام مصر لتحقيق نمو متزايد في مختلف القطاعات الاقتصادية خلال المرحلة المقبلة، لا سيما في مجالات النقل، والصناعة، والخدمات، والاستثمار الأجنبي المباشر.

ويرى خطاب أن المرحلة المقبلة تتطلب مواصلة الجهود الإصلاحية التي بدأتها الدولة لضمان استدامة المكاسب الاقتصادية المحققة، مشيرا إلى أهمية التركيز على خفض الدين العام تدريجيا، وتحسين كفاءة الإنفاق الحكومي، وتوسيع قاعدة الإنتاج المحلي لخفض الاعتماد على الواردات.
وأختتم الخبير الاقتصادي تصريحاته بأن قمة شرم الشيخ للسلام تحمل بين طياتها أكثر من رسالة، فهي خطوة سياسية كبرى على طريق إنهاء الحرب، وفي الوقت نفسه فرصة اقتصادية استراتيجية لمصر لإعادة تنشيط مواردها وتعزيز موقعها كمحور إقليمي في التجارة والبنية التحتية.