اقتصاد يتحدى العواصف.. مصر تسجل نمو تاريخي يعد الأكبر في 3 سنوات

في تطور يعكس مرونة الاقتصاد المصري أمام التحديات العالمية، أعلنت وزارة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي اليوم عن تسجيل نمو الناتج المحلي الإجمالي (GDP) بنسبة 5% خلال الربع الرابع من العام المالي 2024/2025، الذي أنتهى في يونيو 2025.
وهذه النسبة تمثل أعلى معدل نمو ربع سنوي منذ ثلاث سنوات، مقارنة بـ2.4% في الربع المماثل من العام السابق، مما ساهم في رفع النمو السنوي إلى 4.4%، متجاوزا الهدف المقدر بنحو 4.2%.
يأتي هذا الإنجاز في ظل توترات جيوسياسية مستمرة، مثل تأثير الحرب في غزة على قناة السويس، ويبرز دور الإصلاحات الهيكلية والاستثمارات الخاصة في دفع عجلة التعافي.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض العوامل الرئيسية التي ساهمت في هذا النمو، وكيفية نجحت الدولة المصرية في ظل الأزمات في تحقيق نمو تاريخي.
السياحة والصناعة يقودان النمو
وكان القطاع السياحي أبرز محركات النمو في الربع الرابع من 2025، حيث سجل نموًا بنسبة 19.3% في نشاط المطاعم والفنادق، مدعومًا بزيادة عدد السياح إلى أكثر من 17 مليون زائر بنمو 16.4%، وارتفاع الليالي السياحية إلى 179 مليون ليلة بنسبة 16.3%.
ويعود ذلك إلى الاستثمارات الكبيرة في البنية التحتية السياحية، مثل توسيع الطاقة الاستيعابية للفنادق وتحسين جودة الخدمات، بالإضافة إلى حملات تسويق مبتكرة.
وعلى الصعيد السنوي، بلغ نمو القطاع 17.3%، مما يعكس مساهمته البالغة 5.1% في إجمالي الناتج المحلي، وفقًا لبيان الوزارة اليوم، أما قطاع الصناعات التحويلية غير البترولية، الذي يساهم بنحو 11.4% في الناتج المحلي، فقد حقق انتعاشًا قويًا بنسبة 18.8% في الربع الرابع، بعد انكماش سابق بلغ 6.1% في العام السابق.
وهذا النمو مدفوع بتحسن أداء الصادرات السلعية بنسبة 12.8%، خاصة في المستحضرات الغذائية والملابس الجاهزة والعطور، إلى جانب زيادة الإنتاج في صناعات مثل السيارات (93%) والملابس (58%).
وأشار تقرير الوزارة إلى أن هذا الانتعاش يعكس تأثير الإصلاحات النقدية، مثل تحرير سعر الصرف في مارس 2024، الذي عزز القدرة التنافسية للصادرات المصرية في الأسواق العالمية.
وكذلك برز قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات بنمو 14.6% في الربع، ليصل النمو السنوي إلى 13.8%، بفضل تنفيذ استراتيجية "مصر الرقمية 2022-2026"، والتوسع في البنية التحتية الرقمية، وإطلاق شبكات الجيل الخامس (5G).
كما ارتفع عدد شركات التعهيد بنسبة 180% إلى 186 شركة، مما جذب استثمارات بلغت 4.2 مليار دولار في 2022/2023، ويتوقع أن يصل حجم السوق إلى 53.1 مليار دولار بحلول 2030.
وهذه القطاعات الثلاثة وحدها أضافت أكثر من 3 نقاط مئوية إلى إجمالي النمو، وفقًا لتحليل الوزارة.
الإصلاحات الهيكلية والتمويل الدولي.

البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية
ويلعب البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، المدعوم ببرنامج تمويل بقيمة 8 مليارات دولار من الصندوق الدولي للنقد الذي أكملت مراجعته الرابعة في مارس 2025، دورًا حاسمًا في هذا النمو.
وشملت الإصلاحات تحسين بيئة الأعمال، وتقليل تدخل الدولة، وتعزيز الشراكات العامة الخاصة، مما أدى إلى تراجع التضخم إلى 14.9% في يونيو 2025 من 16.8% في مايو، وفقًا لاستطلاع رويترز.
كما ساهمت صفقة رأس الحكمة مع الإمارات العربية المتحدة، بقيمة 24 مليار دولار، في تعزيز الاستثمارات الأجنبية المباشرة، خاصة في البنية التحتية والعقارات.
وعلى جانب الإنفاق، تحولت مساهمة الاستثمار والمخزونات من -0.94 نقطة مئوية في الربع الرابع من 2023/2024 إلى +4.74 نقطة مئوية في 2025، مدعومة بارتفاع الاستثمار الخاص إلى 47.5% من إجمالي الاستثمارات (1.23 تريليون جنيه)، وهو أعلى مستوى في خمس سنوات، مقابل تراجع الاستثمار العام إلى 43.3%.
وهذا التحول يعكس استعادة الثقة في المناخ الاستثماري المحلي، كما أكدت الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط
نمو مستدام يتجاوز 4.5% في 2026
وتتوقع المؤسسات الدولية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد، نموًا يصل إلى 4.2% في 2025/2026، مدعومًا باستمرار الإصلاحات وتوسع الاستثمارات الخليجية.
ويبرز تقرير صندوق النقد الدولي في أبريل 2025 أن التركيز على التنويع الهيكلي، مثل تعزيز التصدير والرقمنة، سيرفع النمو إلى 5% بحلول 2029.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من مخاطر التوترات الإقليمية والتضخم العالمي، مشددين على ضرورة تعزيز الاحتياطيات النقدية التي بلغت 45.8 مليار دولار في 2025.
ويمثل نمو الاقتصاد المصري بنسبة 5% في الربع الرابع من 2025 شهادة على فعالية الإصلاحات والتنويع القطاعي، وسط تحديات عالمية.
ومع استمرار الجهود الحكومية، يبدو الاقتصاد المصري على أعتاب مرحلة نمو أكثر شمولاً واستدامة، مما يعزز مكانته كمركز إقليمي للاستثمار والتجارة.