قفزة تاريخية في تصدير الذهب.. مصر تتجه لتكون من أكبر 10 مصدرين عالميًا
في ظل التوترات الاقتصادية العالمية وارتفاع أسعار الذهب إلى مستويات قياسية، يشهد قطاع تصدير الذهب المصري نموًا مذهلاً يعكس تحولًا استراتيجيًا في الاقتصاد المصري، ووفقًا لبيانات هيئة الرقابة على الصادرات والواردات، بلغت قيمة صادرات الذهب والمعادن الثمينة في النصف الأول من عام 2025 نحو 3.93 مليار دولار، بزيادة بنسبة 194% مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، التي سجلت 1.34 مليار دولار.
وهذا الارتفاع الاستثنائي ليس مجرد إنجاز رقمي، بل يمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق هدف الدخول في قائمة أكبر 10 دول مصدرة للذهب عالميًا بحلول عام 2027، كما أكد إيهاب واصف، رئيس شعبة الذهب والمعادن الثمينة باتحاد الصناعات المصرية.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض التطورات الأحدث في هذا القطاع الحيوي، مع التركيز على الإحصائيات الدقيقة حتى نهاية سبتمبر 2025، لنفهم كيف يساهم تصدير الذهب في تعزيز الاقتصاد المصري ودعم الاحتياطيات الدولارية.
إحصائيات تصدير الذهب المصري في 2025
وشهد عام 2025 انطلاقة قوية لصادرات الذهب المصري، حيث بلغت قيمة الصادرات في الربع الأول من العام 3.2 مليار دولار، وهو أعلى رقم ربع سنوي في تاريخ القطاع، مقارنة بـ929.5 مليون دولار في يناير وحده، تلاها قفزة إلى 1.804 مليار دولار في فبراير.
وهذا النمو لم يقتصر على الأشهر الأولى، إذ امتد إلى النصف الثاني، مدعومًا بارتفاع الأسعار العالمية للذهب إلى 3,759.65 دولار للأونصة في 28 سبتمبر 2025، مع توقعات بوصولها إلى 4,036 دولارًا بنهاية العام.
وبالمقارنة مع عام 2024، الذي سجل صادراتًا بقيمة 3.2 مليار دولار بنمو 78% عن 2023 (1.8 مليار دولار)، يتجاوز أداء 2025 التوقعات، حيث يساهم الذهب بنسبة تصل إلى 8.7% من إجمالي الصادرات المصرية غير البترولية، التي بلغت 45.3 مليار دولار في 2024.
ووفقًا لتقرير الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء الصادر في 23 سبتمبر 2025، احتل الذهب المرتبة الأولى بين أبرز خمس سلع تصديرية، مع إنتاج سنوي يقدر بـ15.8 طنًا، معظمها من منجم السكري في الصحراء الشرقية، إلى جانب منجمي حمش وايفات.
وهذه الأرقام ليست مصادفة، بل نتيجة لاستراتيجية وطنية تركز على تعظيم القيمة المضافة وتوسيع قاعدة المصدرين، مما رفع ترتيب مصر عالميًا من 94 في 2022 إلى 54 في 2023، مع هدف الوصول إلى العشرة الأوائل قريبًا.
الوجهات الرئيسية لتصدير الذهب المصري
وتسيطر الإمارات العربية المتحدة على حصة الأسد من صادرات الذهب المصري، حيث بلغت وارداتها 3.2 مليار دولار في النصف الأول من 2025، تلتها سويسرا بـ705 ملايين دولار، ثم كندا بـ6.3 ملايين دولار، وتركيا بـ5.3 ملايين دولار، مع مساهمات من لبنان وإيطاليا والسعودية.
وهذا التوجه الإقليمي يعكس قوة الروابط التجارية في الخليج، حيث أصبحت دبي مركزًا عالميًا لتجارة الذهب، مما يعزز من تنافسية المنتج المصري المعروف بجودته وأسعاره التنافسية.
وفي الربع الأول من 2025، شكلت الإمارات وحدها 89% من الواردات، بزيادة 2,768% عن يناير وفبراير 2024، مدعومة بارتفاع الأسعار العالمية بنحو 600 دولار للأونصة منذ بداية العام.
أما سويسرا، كمركز تكرير أوروبي، فقد زادت وارداتها بنسبة 48%، مما يفتح آفاقًا لأسواق أوروبية وأمريكية شمالية، خاصة الولايات المتحدة، حيث يُقدر الإقبال على المجوهرات المصرية بسبب تصميماتها الفريدة المستوحاة من التراث الفرعوني.
وهذه الوجهات ليست عشوائية؛ فهي تستهدف أسواقًا تطلب عيار 21 بشكل أساسي، الذي يشكل 70% من الإنتاج المصري، مما يعزز من التوازن بين الطلب المحلي والتصديري.
والتطورات الجديدة في صناعة الذهب المصرية: من الاستيراد إلى التصدير المضاف القيمةدخلت مصر مرحلة متقدمة في صناعة الذهب في أغسطس 2025، حيث بدأت استيراد الذهب الخام غير النقدي بقيمة 71.04 مليون دولار في مايو، بزيادة 199.1% عن العام السابق، لتنقيته محليًا وتحويله إلى ذهب صافٍ قبل إعادة تصديره.
وهذه الخطوة، التي أعلن عنها إيهاب واصف، تحول مصر إلى مركز إقليمي للتكرير والتجارة، مما يضيف قيمة تصل إلى 30% للصادرات.
كما أصدر البنك المركزي المصري تعديلات في سبتمبر 2025، استثنى عمليات تصدير الذهب للتصنيع الخارجي ثم إعادة الاستيراد، ممددًا فترة المتابعة إلى 30 يومًا بدلاً من 7، لتسهيل التدفقات التجارية.
وعلى صعيد الإنتاج، ارتفع إنتاج الذهب والفضة إلى 640 ألف أوقية في العام المالي 2024-2025، بزيادة 14%، محققًا مبيعات بـ1.54 مليار دولار، مع خطط للوصول إلى 800 ألف أوقية بحلول 2030.
وكذلك، وقعت مصر اتفاقيات استكشاف مع شركات عالمية مثل AngloGold Ashanti في يوليو 2025، مما يعزز الاحتياطيات إلى 7.3 مليون أوقية، ويرفع مساهمة التعدين في الناتج المحلي إلى 5%.
تأثير تصدير الذهب على الاقتصاد المصري
ويساهم تصدير الذهب في تعزيز الاحتياطيات الدولارية، حيث أضاف 2.985 مليار دولار إلى قيمة الذهب في الاحتياطيات خلال الأشهر الأربعة الأولى من 2025، ليصل إلى 13.629 مليار دولار في أبريل.
وهذا الدعم يأتي في وقت يواجه فيه الاقتصاد المصري ضغوط التضخم وانخفاض الفائدة، مما يجعل الذهب ملاذًا آمنًا يحمي من التقلبات العالمية، خاصة مع توقعات خفض أسعار الفائدة الأمريكية.
واقتصاديًا يولد القطاع آلاف الوظائف في الصناعات التحويلية، ويحقق عائدات تصل إلى 446 مليون دولار من تنمية الثروة المعدنية في 2024-2025، بزيادة 131%.
كما يدعم استراتيجية التصدير الوطنية للوصول إلى 100 مليار دولار بحلول 2030، مع التركيز على زيادة الصادرات بنسبة 15% سنويًا من 2025 إلى 2030.
ومحليًا ارتفع سعر عيار 21 إلى 5220 جنيهًا، مما يعكس الضغط على الطلب الداخلي، لكنه يعزز الاستثمار كحماية من التضخم.
ويشكل هذا القطاع نموذجًا للتنويع الاقتصادي، حيث يجمع بين التراث التاريخي والابتكار الحديث ليصبح مصر قوة عالمية في تجارة الذهب.
