خطوة تاريخية.. مصر تبدأ تصنيع محطات لتوليد المياه من الجو

في خطوة مبتكرة لمواجهة أزمة الفقر المائي المتفاقمة، وقعت مصر مذكرة تفاهم مع الشركة اليابانية "ميزوها" لتصنيع محطات توليد المياه من الهواء الجوي، بهدف سد الفجوة المتزايدة في الاستهلاك المائي التي تصل إلى 47% بحلول نهاية 2025.
وهذه الشراكة، التي تم الإعلان عنها قبل أيام قليلة، تمثل تتويجاً لجهود مصر في الاستفادة من التكنولوجيا المتقدمة لتعزيز الأمن المائي، وسط تحذيرات دولية من نفاد الموارد المائية في المنطقة.
ووفقاً لتقارير الأمم المتحدة، قد تواجه مصر "شحاً مائياً مطلقاً" بحلول نهاية العام الحالي، مما يجعل هذه المبادرة ضرورة ملحة لضمان استدامة الموارد.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض تفاصيل خطة مصر لتوليد المياه من الهواء، لمواجهة أزمات نقص المياه.
الفقر المائي في مصر
وتواجه مصر، كأكبر دول حوض النيل، أزمة مائية حادة ناتجة عن زيادة السكان، التغير المناخي، وارتفاع الاستهلاك في القطاعات الزراعية والصناعية، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة ووزارة الموارد المائية والري المصرية، يحتاج البلد إلى 81 مليار متر مكعب من المياه سنوياً، لكنه يتوفر له 55 ملياراً فقط من نهر النيل، مع إنتاج إضافي يبلغ 6 مليارات من التحلية والآبار الجوفية.
وهذا يخلق فجوة قدرها 20 مليار متر مكعب، أي نحو 25% من الاحتياجات، ومن المتوقع أن ترتفع إلى 47% بحلول 2025 بسبب الاعتماد المتزايد على "المياه الافتراضية" المستوردة عبر الغذاء والمنتجات الزراعية.
وفي سياق التغير المناخي، يتوقع الخبراء انخفاض توافر المياه للفرد الواحد إلى أقل من 500 متر مكعب سنوياً بنهاية 2025، مقارنة بـ570 متر مكعب حالياً، وهو مستوى يعرف بـ"الشح المائي المطلق" وفقاً لمعايير منظمة الأغذية والزراعة (FAO).
ويستهلك القطاع الزراعي 75% من الموارد المائية، مع خسائر تصل إلى 30% بسبب الري التقليدي غير الفعال، بينما يعاني القطاع الصناعي والمنزلي من تلوث وتدهور الجودة.
كما أن سد النهضة الإثيوبي يهدد بتقليل تدفق النيل بنسبة تصل إلى 20%، مما يفاقم الضغوط الإقليمية.
خطوة نحو الابتكار في توليد المياه من الهواء
وفي 18 سبتمبر الجاري، شهد المهندس محمد صلاح الدين مصطفى، وزير الدولة للإنتاج الحربي، مراسم توقيع مذكرة تفاهم بين الهيئة القومية للإنتاج الحربي وشركة "ميزوها" اليابانية، في مقر الوزارة بالعاصمة الإدارية الجديدة، حيث تركز المذكرة على تصميم، اختبار، وتصنيع محطات توليد مياه من الهواء بطاقة إنتاجية تصل إلى 500 لتر يومياً من المياه الصالحة للشرب، وستنتج هذه المحطات محلياً داخل إحدى الشركات التابعة للإنتاج الحربي.
وهذه الشراكة تمثل تطوراً للتعاون السابق الذي بدأ في فبراير 2024، حيث نجح الجانبان في تصنيع جهاز صغير بطاقة 16 لتر يومياً، والذي حصل على موافقة وزارة الصحة المصرية لجودته.

وقد وقع المذكرة الدكتور المهندس صلاح سليمان جمبلاط، نائب رئيس مجلس إدارة الهيئة، وكانازاوا يوكيو، رئيس مجلس إدارة "تايتان كابيتال" المالكة لـ"ميزوها".
وأكد يوكيو أن الشراكة تعكس الثقة في الإمكانيات التكنولوجية المصرية، مشيراً إلى أن "ميزوها" رائدة عالمياً في هذا المجال بفضل خبرتها في تكثيف بخار الماء بطريقة موفرة للطاقة.
تكنولوجيا توليد المياه من الهواء
وتعتمد تقنية "ميزوها" على استخراج بخار الماء من الهواء الجوي عبر عملية تكثيف حراري، حيث يتم تبريد الهواء لتكوين قطرات ماء، ثم معالجتها بإضافة معادن مفيدة مثل الكالسيوم، وتعقيمها بأيونات الفضة لضمان السلامة.
وهذه التقنية خالية من الانبعاثات الكربونية، وتعمل بكفاءة في المناخات الجافة مثل مصر، حيث يحتوي الهواء على رطوبة كافية حتى في الصحراء، ومن الفوائد الرئيسية: توفير مياه نظيفة دون الاعتماد على النيل أو التحلية الباهظة التكلفة، مما يقلل من الضغط على الموارد التقليدية.
كما أنها مستدامة، حيث تستخدم الطاقة الشمسية جزئياً للتشغيل، وتساهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، خاصة الهدف السادس المتعلق بضمان توافر المياه النظيفة.
وفي مصر، يتوقع أن تغطي هذه المحطات احتياجات المناطق النائية والقرى، حيث يعاني 20% من السكان من نقص المياه النظيفة، وفقاً لتقرير يونيسف لعام 2025.
خطط التوسع المستقبلية
وستساهم هذه المحطات في سد جزء من الفجوة البالغة 47%، خاصة في القطاعات الزراعية والصناعية، حيث يمكن توسيع الطاقة الإنتاجية إلى آلاف اللترات يومياً.
ووفقاً لوزير الإنتاج الحربي، سيتم تنفيذ النموذج الأولي محلياً خلال أشهر، مع خطط لتصدير التكنولوجيا إلى دول شمال أفريقيا.
كما دعا الوزير الشركات اليابانية للمشاركة في معرض "EDEX 2025"، المقرر من 1 إلى 4 ديسمبر في القاهرة، لتعزيز الشراكات في الصناعات الخضراء.
وبالتوازي تعزز مصر استراتيجيتها الوطنية للمياه (2020-2050)، التي تشمل استثمارات بـ134 مليار جنيه في محطات التحلية، وتحسين كفاءة الري بنسبة 20% عبر الري بالتنقيط.
ومع ذلك، يحذر الخبراء من الحاجة إلى حملات توعية لتقليل الاستهلاك المنزلي، الذي يرتفع بنسبة 5% سنوياً بسبب الزيادة السكانية.
وتمثل شراكة مصر مع "ميزوها" نموذجاً للابتكار في مواجهة الفقر المائي، وتؤكد التزام القاهرة ببناء اقتصاد أخضر.