من 168 لـ 152 مليار دولار.. تفاصيل خطة الحكومة لخفض الدين إلى 80% من الناتج المحلي

تواصل الحكومة المصرية جهودها المكثفة لمعالجة أزمة الدين العام، التي تمثل أحد أبرز التحديات الاقتصادية الراهنة، في ظل تقلبات الأسواق العالمية وضغوط التمويل الخارجي، علاوة على التوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة وتؤثر سلبا على الاقتصاد العالمي.
وبالرغم استمرار حجم الدين عند مستويات مرتفعة، إلا أن المؤشرات الأخيرة الصادرة عن البنك المركزي المصري تكشف عن تراجع طفيف في إجمالي الدين الخارجي، بما يعكس تأثير الإصلاحات المالية والاقتصادية التي شرعت الدولة في تنفيذها منذ مارس 2024.
أزمة الديون في مصر
ويأتي هذا التراجع في وقت تشهد فيه العديد من اقتصادات العالم، بما فيها الدول النامية، موجة صعود في معدلات المديونية، مما يفرض على مصر ضرورة تبني سياسات مالية أكثر انضباطا، وتركيز الإنفاق على القطاعات الإنتاجية، وتوسيع قاعدة الإيرادات، لضمان الاستدامة المالية وتحقيق معدلات نمو قادرة على امتصاص أعباء الدين.
بحسب تقرير البنك المركزي المصري الصادر في يونيو 2025، بلغ حجم الدين الخارجي لمصر 155.093 مليار دولار بنهاية ديسمبر 2024، مقابل 155.204 مليار دولار في سبتمبر من نفس العام، مسجلا تراجعا قدره 111 مليون دولار خلال الربع الثاني من العام المالي 2024/2025.
هذا الاتجاه الإيجابي ليس وليد اللحظة، فقد سجلت مصر انخفاضا ملحوظا في إجمالي الدين الخارجي خلال العام المالي 2023/2024، بنحو 11.8 مليار دولار، ليصل إلى 152.9 مليار دولار في يونيو 2024، مقارنة بـ168 مليار دولار قبل عام، وهو أدنى مستوى في عامين، وقد ارتبط هذا التراجع بالإصلاحات الاقتصادية الجريئة، وعلى رأسها توحيد سعر الصرف وزيادة تدفقات النقد الأجنبي.

كيف تخفض مصر الدين الخارجي؟
يشير خبراء الاقتصاد إلى أن استمرار انخفاض نصيب الفرد من الدين الخارجي يتطلب استراتيجية متكاملة، تبدأ بتنويع مصادر النقد الأجنبي عبر تعزيز الصادرات وتطوير قطاع السياحة وزيادة إيرادات قناة السويس.
وأكد الخبراء أن هذه الاستراتيجية، مع تقليل الاعتماد على الاقتراض، سوف تساهم بشكل كبير في خفض ديون مصر، مشددين على أهمية إعادة هيكلة الديون من خلال التفاوض على إعادة جدولتها مع الدائنين الدوليين لتخفيف أعباء السداد.
ويرى الخبراء أن ضبط الإنفاق العام وتحسين كفاءته يمثلان ركيزة أساسية في معالجة الأزمة، وذلك عبر توجيه الموارد نحو الاستثمارات في القطاعات المنتجة التي تدعم النمو الاقتصادي، بما يسهم في تقليص الحاجة إلى تمويل خارجي جديد، ويعزز قدرة الدولة على خفض المديونية بشكل مستدام.
خطة الحكومة للتعامل مع أزمة الديون
وفي ظل التحديات الاقتصادية العالمية التي دفعت العديد من الدول إلى مستويات غير مسبوقة من المديونية، تضع الحكومة المصرية ملف الدين العام في صدارة أولوياتها الاقتصادية، باعتباره أحد أهم عناصر استقرار الاقتصاد الكلي وجذب الاستثمارات.
هذه الرؤية الاستراتيجية ترتكز على مسار مزدوج: من جهة، تخفيض حجم الدين ونسبته إلى الناتج المحلي الإجمالي، ومن جهة أخرى، تعزيز قدرة الاقتصاد على توليد موارد ذاتية تقلل الحاجة إلى الاقتراض.
وفي هذا السياق أكد الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، أن الحكومة تستهدف خفض نسبة الدين لأجهزة الموازنة العامة إلى نحو 80% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام المالي 2026/2027، من خلال تبني إصلاحات هيكلية على جانبي الإيرادات والمصروفات.

600 مليار جنيه نمو في الإيردات بفضل التسهيلات الضريبية
وتشمل هذه الإصلاحات - بحسب ما أعلنه رئيس مجلس الوزراء - التوسع في القاعدة الضريبية وتبسيط الإجراءات للممولين، وهو ما أسهم في نمو الإيرادات الضريبية بنسبة 38% خلال الأشهر التسعة الماضية، رغم تراجع إيرادات قناة السويس، وتحقيق فائض أولي بنسبة 2.5% من الناتج المحلي الإجمالي.
وفي الإطار ذاته، أكد الدكتور أحمد كجوك، وزير المالية، على أن التعامل مع ملف الدين العام يمثل أولوية قصوى للدولة، وأن معدلات الدين تراجعت بالفعل إلى نحو 85% من الناتج المحلي بنهاية يونيو الماضي، مقارنة بـ90% في العام السابق، أي بانخفاض يقارب 10% خلال عامين.
وأوضح وزير المالية أن التسهيلات الضريبية الأخيرة ساعدت في نمو الإيرادات بنسبة 35%، أي ما يعادل نحو 600 مليار جنيه.
دور البريكس في خفض الدين العام
ودعا كجوك إلى تفعيل دور مجموعة البريكس في تقديم حلول مبتكرة لأزمة الديون العالمية، خاصة للدول متوسطة الدخل، مشيرًا إلى أن المجموعة يمكنها المساهمة في مبادرات مبادلة الديون باستثمارات، وتطوير أدوات تمويل ميسرة لدعم مشروعات البنية التحتية والطاقة المتجددة والبنية الرقمية.
وأكد على أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص، ومواجهة التحديات المناخية، معتبرا أن منصة الاستثمار الجديدة التي أطلقتها البريكس تمثل أداة فاعلة لتعبئة رؤوس الأموال للمشروعات الاستراتيجية في الدول النامية.

الاقتصاد المصري قادر على التعافي
ويتوقع خبراء الاقتصاد أن تسهم هذه الاستراتيجية في خفض الدين الخارجي كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي خلال السنوات المقبلة، خاصة مع استمرار تحسن مؤشرات ميزان المدفوعات وزيادة تدفقات الاستثمار الأجنبي وتحسن الصادرات، ويرجح أن ينعكس ذلك على تصنيف مصر الائتماني، بما يعزز ثقة الأسواق الدولية في الاقتصاد المصري.
ومثل هذه المؤشرات الاقتصادية رسالة واضحة على قدرة الاقتصاد المصري على التعافي تدريجيا رغم التحديات العالمية، مع استمرار جهود الدولة في ضبط المديونية وتحقيق التوازن بين الاقتراض الموجه للتنمية والحفاظ على مستويات آمنة من الدين الخارجي.
ومع استمرار الإصلاحات وتبني سياسات مالية واقتصادية متوازنة، تبقى التساؤلات مطروحة حول قدرة مصر على تعزيز هذا المسار الإيجابي في ظل التطورات العالمية المتسارعة، وهل ستتمكن من الحفاظ على وتيرة التحسن الحالية خلال الأعوام المقبلة؟.. هذا ما سيكشف عنه العام المالي 2025- 2026.