صراع المصالح.. هل يستطيع ترامب إقالة رئيس الاحتياطي الفيدرالي؟ وما هي تداعيات هذه الخطوة؟

في قلب النظام المالي العالمي، يبرز الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي كحصن السياسة النقدية المستقلة، لكن هذا الحصن يواجه تحديات غير مسبوقة مع تصاعد التوترات بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول.
والسؤال الذي يطرح نفسه بقوة: هل يملك ترامب السلطة القانونية لإقالة باول؟ وإذا فعلها، ما هي العواقب التي قد تهز الأسواق المالية العالمية؟.
ونستعرض في هذا التقرير، من بانكير، هذه القضية الحساسة، مسلطين الضوء على الجوانب القانونية والاقتصادية والسياسية لهذا الصراع الذي قد يعيد تشكيل مستقبل السياسة النقدية الأمريكية.
هل يملك ترامب سلطة الإقالة؟
ووفقًا للقانون الأمريكي، يتمتع رئيس الاحتياطي الفيدرالي بحصانة شبه كاملة، حيث يعين من قبل الرئيس لمدة أربع سنوات، لكن إقالته ليست بالأمر السهل.
وينص قانون الاحتياطي الفيدرالي لعام 1913 على أن إقالة رئيس الاحتياطي أو أعضاء مجلس محافظيه لا يمكن أن تتم إلا "لسبب وجيه"، مثل الإهمال أو الفساد أو عدم الكفاءة، ولكن القانون لا يحدد بدقة ما يعتبر "سببًا وجيهًا"، مما يترك مجالًا للتفسيرات القانونية.
وفي تصريحات سابقة، أشار باول إلى أن إقالته غير مسموح بها قانونيًا، مستندًا إلى استقلالية الاحتياطي الفيدرالي.
ومع ذلك، أثارت قرارات المحكمة العليا الأمريكية الأخيرة، التي تضم ثلاثة قضاة عينهم ترامب، تساؤلات حول إمكانية إضعاف هذه الحماية، حيث أصدرت المحكمة في يونيو 2025 حكمًا يحد من قدرة القضاء الفيدرالي على تقييد السلطة التنفيذية، مما قد يعزز من قدرة ترامب على اتخاذ خطوات غير تقليدية.
الخلافات بين ترامب وباول
وتكمن جذور الخلاف بين ترامب وباول في وجهات نظر متباينة حول السياسة النقدية، حيث يدعو ترامب إلى خفض أسعار الفائدة لتعزيز النمو الاقتصادي، بينما يتمسك باول بسياسات تقليدية تهدف إلى السيطرة على التضخم، الذي يستهدف الاحتياطي الفيدرالي إبقاءه عند 2%.
وهذا التوتر تصاعد مع فرض ترامب رسومًا جمركية جديدة، والتي يرى باول أنها قد ترفع التضخم وتبطئ النمو الاقتصادي.

وخلال الشهر الجاري، وصلت حدة الانتقادات ذروتها عندما طالب ترامب باول بالاستقالة عبر منصة "تروث سوشيال"، متهمًا إياه بالتأخر في اتخاذ قرارات خفض الفائدة.
كما ألمح البيت الأبيض إلى تحقيقات حول تجاوزات مالية مزعومة في مشروع تجديد مقر الاحتياطي الفيدرالي، والتي قد تستخدم كمبرر قانوني للإقالة.
تداعيات الإقالة وفوضى محتملة في الأسواق
وإذا نجح ترامب في إقالة باول، فإن التداعيات قد تكون عميقة ومتعددة الأوجه، ستتعرض استقلالية الاحتياطي الفيدرالي لضربة قوية، مما قد يقوض مصداقيته كمؤسسة مستقلة عن التدخلات السياسية.
وهذا التحول قد يؤدي إلى فقدان الثقة في الأسواق المالية، خاصة في وول ستريت، التي تعتمد على استقرار السياسة النقدية.
وحذر محللون اقتصاديون من أن إقالة باول ستكون "فوضوية"، مع توقعات بتسجيل الأسواق انخفاضات حادة في أسعار الأسهم وارتفاع عوائد السندات طويلة الأجل.
وعلى سبيل المثال، توقعت شركة "وولف ريسيرش" أن مثل هذه الخطوة قد تؤدي إلى تقلبات حادة، خاصة إذا لجأ باول إلى القضاء للطعن في قرار الإقالة، مما قد يطيل أمد عدم اليقين.
كما أن هناك مخاوف من أن يؤدي هذا الصراع إلى تسريع التحركات العالمية نحو تقليل الاعتماد على الدولار كعملة احتياطية عالمية، خاصة إذا رأت الأسواق أن السياسة النقدية الأمريكية أصبحت عرضة للتدخلات السياسية.
ردود فعل متباينة ومستقبل غامض
وعلى الرغم من تصريحات ترامب المتكررة بأنه لا ينوي إقالة باول، إلا أن تهديداته المستمرة ودعم بعض الجمهوريين في الكونجرس لفكرة الإقالة يبقيان الوضع مشحونًا.
وفي المقابل، يواصل باول الدفاع عن استقلالية الاحتياطي الفيدرالي، مشيرًا إلى أن أي محاولة لإقالته ستواجه تحديات قانونية كبيرة.
والصراع بين ترامب وباول ليس مجرد نزاع شخصي، بل هو اختبار لاستقلالية إحدى أهم المؤسسات المالية في العالم، وإذا تمكن ترامب من إقالة باول، فقد يعيد تعريف العلاقة بين البيت الأبيض والاحتياطي الفيدرالي، مع تداعيات قد تمتد إلى الاقتصاد العالمي.
وفي الوقت الحالي، يبقى المستقبل غامضًا، حيث تعتمد النتيجة على التطورات القانونية والسياسية، ولكن شيئًا واحدًا مؤكد: أي خطوة في هذا الاتجاه ستكون بمثابة زلزال اقتصادي قد يغير قواعد اللعبة.