"جرين شرم".. مشروع بيئي يتحول إلى تجربة تنموية متكاملة على أرض سيناء
تتقدم شرم الشيخ بخطى واثقة لتتبوأ موقعا متقدما على خريطة السياحة البيئية العالمية، عبر مشروع "جرين شرم" الذي تتبناه الدولة المصرية كمشروع وطني شامل، لا يهدف فقط إلى تقليص الانبعاثات أو تجميل الواجهة، بل يسعى إلى إعادة تشكيل المدينة جذريا لتصبح نموذجا حضاريا لمفهوم "المدينة الخضراء" القائم على التنمية المستدامة بمفهومها الأشمل.
تفاصيل مشروع "جرين شرم"
بدأت ملامح مشروع "جرين شرم" تتبلور في مايو 2023، بدعم من وزارة البيئة، وبشراكة فاعلة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) ومحافظة جنوب سيناء، وبتمويل من مرفق البيئة العالمي (GEF).
وينفذ المشروع تحت إشراف جهاز شؤون البيئة المصري، واضعا نصب عينيه هدفا استراتيجيا واضحا ألا وهو تحويل شرم الشيخ إلى أول وجهة سياحية خضراء في مصر والمنطقة العربية.
ما يميز المشروع أنه لا يتعامل مع البيئة كقضية منعزلة، بل يتبنى منهجا تكامليا يدمج بين الحفاظ على الموارد، والتحول الرقمي، وتحديث البنية التحتية، وتحقيق العدالة الاجتماعية، ما يجعل منه مشروع تنمية حقيقية وليس فقط تحولا بيئيا.
خطة تحويل شرم الشيخ إلى أول وجهة سياحية خضراء بمصر
استند مشروع "جرين شرم" في خطته إلى معالجة ستة محاور حيوية، تمثل قلب التحديات البيئية والتنموية بالمدينة تتمثل في: “الطاقة، النقل، المياه، المخلفات، التنوع البيولوجي، والمجتمع المحلي”.
كل محور تم تفكيكه إلى مشروعات عملية، وتطبيقات تقنية، وخطط تنفيذ واقعية، بهدف خلق بيئة عمرانية مستدامة تحترم خصوصية المكان وتلبّي احتياجات السكان والزوار على حد سواء.
قطاع الطاقة.. الشمس تضيء المدينة
لم تعد الطاقة الشمسية خيارًا في شرم الشيخ، بل أصبحت واقعا فعليا، المشروع استثمر في محطة "نبق" للطاقة الشمسية بقدرة إنتاجية تصل إلى 20 ميجاوات، باستخدام ألواح متحركة تتبع الشمس لرفع كفاءة الإنتاج بنسبة 15%، باستثمارات تقدر بـ12 مليون دولار.
كما شهد القطاع الفندقي تحولات جذرية في منظومة استهلاك الطاقة، شملت مراجعة شاملة لمعدلات الاستخدام، واستبدال المعدات غير الفعالة، وتركيب أنظمة إضاءة LED، مما انعكس إيجابا على معدلات الاستهلاك وانبعاثات الكربون.
شرم الشيخ.. مدينة بلا عوادم سيارات
أصبح التنقل في شرم الشيخ صديقا للبيئة، فقد أدخل المشروع منظومة نقل كهربائية متكاملة تشمل الحافلات، والسيارات، والدراجات داخل الفنادق وخارجها.
كما أنشأ محطات شحن مخصصة موزعة جغرافيا وفقا لاحتياجات التشغيل، إلى جانب دعم مبادرات مشاركة الدراجات وتخطيط مسارات تشغيل فعالة.
المياه.. من الهدر إلى الإدارة الذكية
في بيئة نادرة الموارد، كان لابد من إعادة النظر جذريًا في إدارة المياه، وهذا ما ركز عليه مشروع "جرين شرم" حيث رفع كفاءة محطات التحلية والمعالجة، وتوظيف حلول متطورة لمعالجة الحمأة، وتقليل الهدر، والتعامل البيئي مع المحلول الملحي، ما أدى إلى تحسين شامل في دورة المياه بمدينة شرم الشيخ.
آلية لجمع النفايات وحماية التنوع البيولوجي
شهدت المدينة تحديثًا نوعيًا في آليات جمع النفايات، شمل تطوير مركبات القمامة، وتطبيق نظام لفصل المخلفات من المصدر، وإعادة استخدام المخلفات الزراعية كسماد عضوي في الفنادق. هذه الخطوات أسست لنواة حقيقية لاقتصاد دائري يحوّل النفايات من عبء إلى مورد.
كما تبنى المشروع إجراءات صارمة للحفاظ على النظام البيئي للمدينة، شملت الحد من الأنشطة الترفيهية الضارة، وتطبيق الزراعة المائية لترشيد المياه، واستخدام النباتات المحلية المتكيفة مع البيئة الصحراوية، والحد من نفوق الطيور المهاجرة الناتج عن تلوث المياه.
إشراك المواطن في عملية التحول الأخضر
من أهم ما يحسب للمشروع هو تبنيه لمقاربة اجتماعية شاملة، تستهدف إشراك أبناء المدينة في عملية التحول الأخضر، فقد أعيد تصميم الأنشطة السياحية لتشمل المجتمع المحلي، مع فتح آفاق جديدة من الشراكة مع القطاع الخاص والمحميات، وتمكين الأسر من خلق مصادر دخل جديدة قائمة على السياحة المستدامة والحرف التراثية.
ورصد التزام متزايد داخل الفنادق بتطبيق إجراءات بيئية جادة، منها وقف استخدام الزجاجات البلاستيكية واستبدالها بزجاجات قابلة لإعادة الاستخدام بعد تنقية المياه داخليا، ما وفر نحو 20 مليون زجاجة بلاستيكية سنويا.
كما اعتمدت الفنادق أنظمة كهرباء موفرة، وأخضعت لعمليات مراجعة بيئية دقيقة للحصول على "العلامة الخضراء" الدولية.
شرم الشيخ.. مدينة تتجاوز حدود السياحة
"جرين شرم" لم يكن مجرد مشروع بيئي، بل تجربة تنموية متكاملة تمزج بين التخطيط المستقبلي والرؤية البيئية والسياسات العامة.
نجاح هذا المشروع يفتح الباب أمام مدن أخرى لتحذو نفس المسار، ويثبت أن مصر قادرة، ليس فقط على مواجهة التحديات المناخية، بل على ريادة المنطقة في مسار التحول الأخضر.
