بريكس تصعد من نبرة الجنوب العالمي: دعوة حازمة للدول الغنية لتمويل مكافحة التغير المناخي

في مشهد يعكس التحول المتسارع في موازين القوى العالمية، وجّه قادة مجموعة "بريكس" خلال اليوم الختامي لقمتهم المنعقدة في مدينة ريو دي جانيرو، دعوة صارمة إلى الدول الصناعية الكبرى للوفاء بالتزاماتها المالية تجاه الدول النامية في مجال مكافحة التغيرات المناخية، مؤكدين أن العدالة المناخية باتت اختبارًا حقيقيًا لمصداقية النظام الدولي.
البيان الختامي للقمة لم يكتفِ بالمطالبة بتسريع تمويل الانتقال الأخضر، بل وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية تاريخية، حين شدد على أن الدول التي راكمت ثرواتها على حساب البيئة العالمية، يجب أن تتحمل العبء الأكبر في مواجهة التحديات المناخية، خاصة تلك التي تضرب بشدة دول الجنوب العالمي.
ورغم مرور أكثر من عقد على تعهد الدول المتقدمة بتوفير تمويل سنوي بقيمة 100 مليار دولار لدعم جهود التخفيف والتكيف في الدول النامية، أشار البيان إلى أن هذه الوعود لم تُترجم بعد إلى التزامات واقعية، وهو ما يعرقل تنفيذ مشروعات البنية التحتية الخضراء والطاقة النظيفة، ويزيد من هشاشة الاقتصادات الناشئة في مواجهة الظواهر المناخية المتطرفة.
صعود "بريكس" كصوت بديل في قضايا المناخ
اللافت أن قمة بريكس لهذا العام – التي شهدت حضورًا واسعًا للدول الأعضاء الجدد مثل مصر والسعودية والإمارات – أعادت طرح تساؤلات جوهرية حول طبيعة النظام المناخي الدولي: من يضع القواعد؟ ومن يدفع الكُلفة؟ ومن يملك القدرة على التأثير؟
وبينما يتسع نطاق التغير المناخي ليشمل الأمن الغذائي والمائي، والاستقرار الاجتماعي، والهجرة البيئية، بدا واضحًا أن "بريكس" تسعى لتقديم نفسها ككتلة تفاوضية موحدة في مواجهة الغرب داخل المحافل الدولية، خصوصًا قبيل انعقاد مؤتمر المناخ COP30 في البرازيل العام المقبل.
إعادة هيكلة الحوكمة المالية الدولية
إلى جانب المطالب التمويلية، دعا قادة التحالف إلى إصلاح شامل لمنظومة الحوكمة الاقتصادية والمالية العالمية، بما في ذلك أدوار مؤسسات مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، لجعلها أكثر تمثيلًا لمصالح الدول النامية، لا سيما في ظل احتياجات هذه الدول لتمويل مشاريع التكيف المناخي وتحديث البنية التحتية البيئية.
كما حذروا من استمرار التعامل مع الجنوب العالمي كـ"متلقي سلبي" لسياسات بيئية تُصاغ في العواصم الغربية، دون مراعاة للواقع الاجتماعي والاقتصادي للدول النامية، مؤكدين أن الانتقال البيئي العادل لن يتحقق بدون شراكة حقيقية، ونقل للتكنولوجيا، وبناء للقدرات.
المناخ بين السياسة والاقتصاد
ورأى مراقبون أن دعوة "بريكس" تحمل بعدًا سياسيًا بامتياز، حيث تسعى المجموعة إلى ترسيخ نفوذها كقوة مضادة للهيمنة الغربية، ليس فقط في الاقتصاد والسياسة، بل أيضًا في قضايا المناخ، التي أصبحت في قلب التفاعلات الجيوسياسية العالمية.
ووسط تصاعد الكوارث المناخية من حرائق وفيضانات وأعاصير، لم تعد التحذيرات البيئية ترفًا نخبويًا، بل باتت مسألة حياة أو موت لملايين البشر، ما يُحتّم على الدول المتقدمة أن تنتقل من الأقوال إلى الأفعال، وأن تتعامل مع مطالب "بريكس" بوصفها نداءً عالميًا للإنصاف المناخي، وليس مجرد ورقة ضغط جيوسياسي.