4382 مصنعا جديدا.. كيف قادت الصناعة المصرية النمو الاقتصادي في الجمهورية الجديدة

في مشهد اقتصادي يتغير بإيقاع سريع، أثبتت الصناعة المصرية أنها ركيزة النمو المستدام، ومفتاح الاكتفاء الذاتي، وأداة الدولة الأهم لتحصين الاقتصاد الوطني وتعزيز قدرته التنافسية عالميًا.
لم يكن هذا التحول وليد المصادفة، بل ثمرة رؤية استراتيجية قادتها القيادة السياسية، وضعتها في قلب أولويات الجمهورية الجديدة، حيث باتت الصناعة تمثل قاطرة حقيقية تدفع بعجلة التنمية، وترسم ملامح مستقبل اقتصادي أكثر صلابة واستقلالية.
الصناعة المصرية.. كيف تحققت الطفرة؟
في ظل التوجهات الاستراتيجية للدولة، ارتفعت مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي لتبلغ 16%، وفقًا لوزارة التخطيط، وسط خطة طموحة تستهدف رفعها إلى 20% بحلول عام 2030، ويمثل هذا القطاع نحو 14% من إجمالي قوة العمل، ويسهم بأكثر من 85% من إجمالي صادرات مصر غير البترولية، وهو ما يعكس حجم التحول الذي شهده هذا القطاع، واستعادته مكانته كمحور رئيسي في الاقتصاد الوطني.
هذه المؤشرات لم تكن لتتحقق لولا تبني الدولة سياسة واضحة لدعم الصناعة، وتوفير بيئة مواتية للنمو، اعتمادًا على بنية تحتية متطورة، وموارد بشرية مؤهلة، ورغبة سياسية جادة في إحداث طفرة صناعية مستدامة.

رؤية مصر 2030.. خطة عاجلة للنهوض بالصناعة في مصر
تنفيذا لتوجهات الدولة نحو صناعة قوية تنافس عالميا، أُطلقت الخطة العاجلة للنهوض بالقطاع الصناعي، والتي اعتمدها رئيس الجمهورية كخطوة عملية لترجمة "رؤية مصر 2030" إلى مشروعات على الأرض.
هذه الخطة تضمنت حزمة من الإجراءات الحاسمة، شملت تبسيط التراخيص، وتسريع الموافقات، وتقديم حوافز ضريبية وجمركية، ودعم الشراكات مع القطاع الخاص، وتوطين التكنولوجيا، إلى جانب رفع كفاءة العنصر البشري عبر التدريب الفني المتخصص.
منصة "مصر الصناعية الرقمية".. التحول الذكي لتسهيل الاستثمار
وفي ظل التحول الرقمي، أطلقت الدولة منصة "مصر الصناعية الرقمية"، كأداة ذكية تتيح للمستثمرين تنفيذ كل الخدمات المرتبطة بتخصيص الأراضي، وإصدار التراخيص، والسجلات الصناعية، والدفع الإلكتروني، بما يضمن اختصار الوقت، وتبسيط الإجراءات، وتحفيز المستثمرين على الدخول بقوة في السوق الصناعي المصري.
وانعكاسا لهذا التوجه، تم طرح 2070 قطعة أرض صناعية جديدة في 20 محافظة عبر المنصة الرقمية، بمساحات تبدأ من 200 متر وتصل إلى 490 ألف متر مربع، تغطي قطاعات حيوية كالغذاء، والدواء، والهندسة، والكيماويات، ومواد البناء، والغزل والنسيج، كما تم إصدار 1493 رخصة بناء، و4382 رخصة تشغيل، و6713 سجلًا صناعيًا، ما يعكس النمو المتسارع في القطاع.

مدن صناعية متخصصة
استثمرت الدولة المصرية في إنشاء وتطوير المدن الصناعية المتخصصة، باعتبارها نموذجًا للتكامل القطاعي وتحقيق القيمة المضافة، فشهدت مدينة الروبيكي للجلود تشغيل وتمليك 308 مدابغ و40 مصنعًا للغراء، فضلًا عن تخصيص 91 مصنعًا جديدًا لصناعات الجلود.
وفي مدينة دمياط للأثاث، ومجمع مرغم للصناعات البلاستيكية، ومدينة الدواء "جيبتو فارم"، تم تهيئة بيئة صناعية متخصصة تتيح الانطلاق نحو أسواق جديدة بجودة عالية وتكلفة تنافسية.
وضمن جهود الدولة لدعم المصانع وتمكينها من التوسع، أُطلقت سلسلة من المبادرات التمويلية النوعية:
- مبادرة تمويل رأس المال العامل بـ120 مليار جنيه بفائدة 15%.
- مبادرة دعم شراء المعدات وخطوط الإنتاج بقيمة 30 مليار جنيه بنفس الفائدة.
- صندوق دعم المصانع المتعثرة وزيادة الصادرات بالتعاون مع البنك المركزي.
- مبادرة تمويل المشروعات الصغيرة والمتوسطة بفائدة 5% سنويًا.
- مبادرة تحفيز الصادرات بـ190 مليار جنيه حتى يونيو 2024، واعتماد 23 مليارًا إضافية بدءًا من يوليو 2024.
مبادرة "ابدأ".. بوابة توطين التكنولوجيا
وفي إطار خطة الدولة لتقليل الفجوة الاستيرادية، أطلقت مصر المبادرة الوطنية لتطوير الصناعة "ابدأ"، والتي وضعت استراتيجية قصيرة الأجل تستهدف توطين الصناعات الحديثة، وتوفير فرص العمل، وتقليل الاعتماد على الواردات.
وعلى المدى البعيد، تهدف المبادرة إلى تحويل مصر إلى مركز صناعي إقليمي يخدم الشرق الأوسط وأفريقيا، وارتكزت المبادرة على ثلاثة محاور: المشروعات الكبرى، دعم الصناعة، التدريب والبحث والتطوير، ونجحت من خلالها في إطلاق 64 شراكة استثمارية لتوطين 23 صناعة جديدة، من بينها صناعة السيليكون، وضواغط التبريد، والخامات الدوائية، والمواسير الملحومة، بتأثير مباشر متوقع يحقق وفرًا في الواردات وزيادة في الصادرات بقيمة تصل إلى 16 مليار دولار.

مصانع جديدة وأرقام تؤكد الانطلاقة
منذ 3 يوليو 2024، تم إنشاء 4382 مصنعًا جديدًا بمعدل نمو 6.4%، وفرت نحو 230 ألف فرصة عمل مباشرة، في إطار خطة تستهدف الوصول إلى 100 ألف مصنع بحلول عام 2030.
ولضمان جودة التشغيل، أُنشئت لجان تفتيش مجمعة من الهيئة العامة للتنمية الصناعية بالتعاون مع مختلف الجهات الرقابية، قامت حتى الآن بزيارة 4866 مصنعًا في 25 محافظة، لتقديم الدعم الفني والإداري وضمان استمرارية الإنتاج.
ويعمل حاليًا في القطاع الصناعي المصري أكثر من 3.5 مليون عامل بنسبة 7.5% من إجمالي القوة العاملة، مع استهداف الوصول إلى 8 ملايين عامل بحلول 2030، بما يعادل 20% من قوة العمل.
ويُقدر حجم الإنتاج الصناعي بـ76 مليار دولار في 2024، ومن المقرر مضاعفته ليصل إلى 170 مليار دولار بحلول 2030، بمعدل نمو سنوي يصل إلى 10%.
حوافز استثمارية متكاملة لدعم التوسع الصناعي
ودعمت الدولة الاستثمار الصناعي عبر مجموعة متكاملة من الحوافز، منها ما ورد في قانون الاستثمار رقم 72 لسنة 2017، والحوافز الخاصة بقرار رئيس الوزراء رقم 77 لسنة 2023، إضافة إلى قانون تفضيل المنتج المحلي رقم 5 لسنة 2015، وبرنامج حوافز إنتاج السيارات.
وتُعد هذه الحوافز إحدى الأدوات الرئيسية لتعزيز التنافسية وتحفيز المستثمرين على ضخ استثمارات جديدة في مختلف القطاعات الصناعية التي تشهدها الدولة المصرية خلال السنوات الماضية.
قفزة في الصادرات الصناعية: من 34 إلى 118 مليار دولار
بلغت قيمة الصادرات غير البترولية لمصر نحو 42 مليار دولار في 2024، منها 34 مليار صادرات صناعية، وسط خطة طموحة تستهدف الوصول بإجمالي الصادرات إلى 145 مليار دولار، منها 118 مليار صادرات صناعية بحلول 2030، وهو ما يعكس جدية الدولة في تنفيذ استراتيجية تنمية الصادرات وتعزيز قدرتها على الوصول إلى الأسواق العالمية.
في إطار دعم الصناعة، تم تطوير شبكات النقل واللوجستيات، من خلال توسعة الطرق، وتحديث السكك الحديدية، وتطوير الموانئ، وتحسين منظومة الشحن، ما يسهّل نقل الخامات والمنتجات، ويقلل التكاليف، ويزيد من قدرة الصناعات المصرية على المنافسة عالميًا، ويدفع باتجاه تحقيق التنمية الشاملة.

التجربة الصناعية المصرية: نموذجا فريدا لنجاح الدولة
تُجسد التجربة الصناعية المصرية اليوم نموذجًا فريدًا لنجاح الدولة في بناء قطاع إنتاجي واعد، يعتمد على التخطيط الاستراتيجي، والتمويل الذكي، والتكامل بين جميع عناصر المنظومة الاقتصادية.
ومع استمرار تنفيذ الخطط الطموحة، يظل قطاع الصناعة أحد أهم مفاتيح الحاضر والمستقبل، ونقطة ارتكاز حقيقية في مسيرة الجمهورية الجديدة نحو الاكتفاء الذاتي والتقدم الصناعي الشامل.