مصر تفتح أبوابها لليوان.. اعتماد العملة الصينية شرارة التحول الاقتصادي بين القاهرة وبكين

في خطوة اقتصادية بارزة، أعلنت مصر مؤخرًا عن السماح للشركات الصينية العاملة على أراضيها بالتعامل بالعملة الصينية (اليوان) بنسبة 100%، مع إمكانية تسجيل الشركات وملكيتها بالكامل باليوان.
وهذا القرار، الذي أعلن عنه خلال منتدى الأعمال المصري-الصيني في بكين، يحمل دلالات اقتصادية وسياسية عميقة، ويعد جزءًا من استراتيجية مصر لتعزيز الاستثمار الأجنبي وتخفيف الضغط على الدولار الأمريكي في ظل التحديات الاقتصادية الراهنة.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض ماذا يعني هذا القرار بالنسبة للاقتصاد المصري، العلاقات المصرية-الصينية، والمشهد الاقتصادي العالمي؟.
خلفية القرار
تأتي هذه الخطوة في سياق تعزيز العلاقات الاقتصادية بين مصر والصين، التي شهدت نموًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة.
وبلغت الواردات المصرية من الصين حوالي 12.9 مليار دولار في عام 2023، مما يجعل الصين واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لمصر.
ومع تزايد الاستثمارات الصينية في المناطق الاقتصادية المصرية، مثل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، كان من الضروري تقديم تسهيلات مالية تدعم هذا التعاون.
ومن هنا، جاء قرار السماح بالتعامل باليوان، إلى جانب خطط لإنشاء بنك صيني في مصر لتسهيل المعاملات المالية بالعملة الصينية بدلاً من الدولار أو الجنيه المصري.
الأهمية الاقتصادية للقرار
ويعاني الاقتصاد من نقص في العملة الصعبة، خاصة الدولار الأمريكي، مما يؤثر على قدرته على تمويل الواردات، والسماح بالتعامل باليوان يقلل الاعتماد على الدولار في التجارة مع الصين، مما يخفف الضغط على احتياطيات النقد الأجنبي في البنك المركزي المصري.
يشار إلى أن هذا القرار قد ساهم بالفعل في انخفاض قيمة الدولار في البنوك المصرية بمقدار 63 قرشًا دفعة واحدة.
كما يوفر التعامل باليوان بيئة استثمارية أكثر مرونة للشركات الصينية، حيث يمكنها الآن تسجيل شركاتها وإدارة عملياتها المالية بعملتها الوطنية.

وهذا من شأنه أن يشجع المزيد من الشركات الصينية على الاستثمار في مصر، خاصة في القطاعات الصناعية والتكنولوجية.
وتشير التقارير إلى أن مصر تتوقع ارتفاع عدد المصانع الصينية في المناطق الاقتصادية، مما يعزز النمو الاقتصادي ويوفر فرص عمل جديدة.
وإنشاء بنك صيني في مصر، كما اقترحت الحكومة المصرية، سيسهل المعاملات المالية للشركات الصينية، ويقلل من تكاليف تحويل العملات ومخاطر تقلبات أسعار الصرف.
وهذا الإجراء يعزز الكفاءة التشغيلية ويجعل السوق المصري وجهة أكثر جاذبية للاستثمارات الصينية.
الدلالات السياسية والدولية
والسماح بالتعامل باليوان يحمل دلالات سياسية عميقة، حيث يعكس تقاربًا استراتيجيًا بين مصر والصين في ظل التحولات الجيوسياسية العالمية.
وينظر إلى هذا القرار كجزء من الجهود العالمية لتقليل هيمنة الدولار في التجارة الدولية، وهي خطوة تدعمها الصين منذ سنوات من خلال تدويل اليوان.
كما أن هذا القرار يتماشى مع مبادرة "الحزام والطريق" الصينية، التي تهدف إلى تعزيز التعاون الاقتصادي مع دول إفريقيا وآسيا، بما في ذلك مصر التي تعد مركزًا لوجستيًا وتجاريًا رئيسيًا بفضل قناة السويس.
ويعد قرار السماح للشركات الصينية بالتعامل باليوان خطوة استراتيجية لتعزيز مكانة مصر كوجهة استثمارية رئيسية في المنطقة.
ومع استمرار التعاون الاقتصادي بين القاهرة وبكين، من المتوقع أن يسهم هذا القرار في تعزيز النمو الاقتصادي، خلق فرص عمل، وتخفيف الضغط على احتياطيات العملة الأجنبية.
ومع ذلك، يتطلب نجاح هذه الخطوة تنسيقًا دقيقًا بين الحكومة المصرية والمؤسسات المالية لضمان استقرار المنظومة الاقتصادية.
كما إن السماح للشركات الصينية بالتعامل باليوان في مصر ليس مجرد قرار اقتصادي، بل خطوة استراتيجية تعكس رؤية مصر لتنويع اقتصادها وتعزيز شراكاتها الدولية.
ومع استمرار هذا التحول، قد تصبح مصر نموذجًا للدول الأخرى في المنطقة التي تسعى إلى تعزيز التعاون مع الصين وتقليل الاعتماد على الدولار.