الأحد 06 يوليو 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
اقتصاد مصر

القطار لا يعود إلى الوراء.. مصر تبني أكبر منظومة سكة حديد في تاريخها باستثمارات تتجاوز 220 مليار جنيه

السبت 05/يوليو/2025 - 06:00 م
خطة تطوير السكة الحديد
خطة تطوير السكة الحديد في مصر

السكة الحديد في مصر.. خطة إصلاح شاملة لتحويل المرفق إلى شريان نقل عصري يخدم التنمية

استعادت منظومة السكك الحديدية في مصر عافيتها خلال السنوات الماضية، بعد أن ظلت لعقود تعاني من تهالك البنية الأساسية، وتراجع الخدمة، وغياب الأمان في التشغيل، وهو ما دفع الحكومة المصرية لوضع خطة إصلاح جذرية، تتولى تنفيذها وزارة النقل، بهدف إحياء هذا المرفق الحيوي الذي يخدم ملايين الركاب يوميًا، ويمثل العمود الفقري لنقل البضائع داخليًا.

تطوير سكك حديد مصر: 2014 عام الانطلاق

انطلقت الخطة في عام 2014، في وقت كانت فيه هيئة السكة الحديد بالكاد تنقل 900 ألف راكب يوميًا، وتعاني من أعطال متكررة وضعف شديد في كفاءة القطارات ومستوى الأمان، إضافة إلى فشلها في تقديم خدمات نقل بضائع مؤثرة، حيث لم يتجاوز إجمالي المنقول آنذاك 4 ملايين طن سنويًا.

ومع رصد استثمارات ضخمة تجاوزت 225 مليار جنيه، نجحت الحكومة حتى عام 2023 في رفع كفاءة المرفق ليصل إلى نقل 1.2 مليون راكب يوميًا، و5 ملايين طن من البضائع سنويًا، مع تحسن ملحوظ في انتظام مواعيد القطارات ومستويات الأمان وجودة الخدمة وصلت إلى 85%.

وتستهدف الدولة بحلول عام 2030 الوصول إلى طاقة تشغيل تبلغ 2 مليون راكب يوميًا، و13 مليون طن بضائع سنويًا، إلى جانب الارتقاء بمستوى الخدمة إلى المعايير الدولية في السلامة والدقة والانضباط.

خطة تطوير السكة الحديد في مصر 

خطة تطوير السكة الحديد.. 5 محاور تقودها للآمان والجودة

جاءت خطة تطوير السكة الحديد في مصر متكاملة الأركان، وراعت كل الجوانب الفنية والتشغيلية والبشرية التي تؤثر في كفاءة هذا القطاع، وقد تمحورت الخطة حول 5 عناصر رئيسية:

1. تحديث الوحدات المتحركة (الجرارات والعربات)

أولى محاور التطوير ركّزت على تجديد أسطول القطارات والوحدات المتحركة بالكامل، سواء لنقل الركاب أو البضائع، وتم في هذا السياق:

  • توريد 977 عربة ركاب جديدة ضمن صفقة كبرى تشمل 1350 عربة
  • إدخال 6 قطارات "تالجو" الإسبانية الفاخرة للخدمة
  • إعادة تأهيل 1317 عربة من أصل 1385 مستهدفة
  • تدعيم قطاع البضائع بـ133 عربة حاويات جديدة

الهدف من هذه الخطوة تقليل الأعطال والازدحام، وتحقيق راحة الركاب، مع تمكين الهيئة من تقديم خدمة منتظمة وفعالة على مدار اليوم.

2. تطوير البنية الأساسية (السكك، المحطات، المزلقانات)

اهتمت الخطة كذلك بتحديث البنية التحتية للشبكة، من خلال:

  • تجديد 1430 كم من خطوط السكك الحديدية
  • إنشاء وتطوير محطات حديثة مثل محطة بشتيل المركزية "صعيد مصر"
  • رفع كفاءة المزلقانات لتقليل الحوادث وتحسين الأمان

جاء هذا التطوير بهدف تخفيف الضغط على المحاور القديمة، وتحقيق انسيابية في الحركة، وربط المدن والمراكز الحضرية بشبكة أكثر حداثة وكفاءة.

3. تحديث نظم الإشارات والتحكم

التحول من النظام الميكانيكي التقليدي إلى النظام الإلكتروني المتقدم كان محوريًا لرفع معايير الأمان وتقليل مدة الرحلات، حيث شملت الخطة:

  • تطوير إشارات بطول 2000 كم على الخطوط الرئيسية
  • من أبرز الخطوط التي شملها التحديث: القاهرة – الإسكندرية، وبني سويف – أسيوط
  • مضاعفة عدد القطارات وزيادة عدد الرحلات على الخطوط المحدثة

هذا التحديث قلّل نسب الأعطال، ورفع معدلات الاعتمادية في تشغيل القطارات، وساهم في تحسين الانضباط الزمني بشكل كبير.

4. تطوير الورش الإنتاجية ومراكز الصيانة

لم تغفل خطة التطوير البُعد التصنيعي والخدمي، حيث تم رفع كفاءة الورش التابعة للهيئة، وعددها 33 ورشة رئيسية وفرعية، بالتعاون مع شركات عالمية كبرى مثل جنرال إلكتريك وتالجو.

  • تم صيانة وتحديث 37 ماكينة لصيانة وتجديد السكك
  • تم شراء 7 ماكينات جديدة ليصل عددها إلى 47 ماكينة
  • الماكينات العاملة الآن تعمل بكفاءة تصل إلى 80%

ويهدف هذا المحور إلى ضمان استدامة كفاءة القطارات، وتوفير قدرات صيانة عالية الجودة، بما ينعكس على جودة الأداء اليومي.

5. تنمية العنصر البشري وتأهيل الكوادر

الاهتمام بالإنسان كان محورًا رئيسيًا، حيث ركزت وزارة النقل على إعداد كوادر مؤهلة لإدارة وتشغيل المنظومة الجديدة، وذلك من خلال:

  • تدريب 445 مهندسًا في الكلية الحربية لمدة 6 أشهر
  • تخريج 4843 فنيًا وقائد قطار بعد تدريبهم في الكلية التكنولوجية العسكرية
  • إدخال نظم تدريب مستمر تواكب التطورات التكنولوجية

اعتمد هذا المحور على تأسيس جيل جديد من العاملين داخل هيئة السكة الحديد، يمتلك المهارات الفنية والإدارية المطلوبة للتعامل مع التكنولوجيا الحديثة، وضمان استدامة التطوير.

خطة تطوير السكة الحديد في مصر 

قطاع البضائع.. تطور في الأسطول والبنية التشغيلية

وتطورت قدرات الهيئة في مجال نقل البضائع بشكل ملحوظ، حيث كان الأسطول في 2014 يضم 8081 عربة، 50% منها فقط يعمل بكفاءة، بينما كان الباقي متوقفًا عن العمل، وبحلول عام 2023، أصبحت الهيئة تمتلك 8481 عربة، بينها 400 عربة جديدة، و4781 عربة صالحة بكفاءة 60%، إلى جانب 3300 عربة جارٍ تجديدها.

كذلك تم تعزيز قدرات الهيئة في مجال صيانة وتجديدات السكك، وجرى تطوير 900 كم من الشبكة البالغ طولها 10 آلاف كم، وتجديد 1750 مفتاح سكة من أصل 6664.

ربط مصر بخطوط التجارة الآسيوية – الأوروبية

ضمن توجهات الدولة الاستراتيجية، عملت وزارة النقل على إنشاء شبكة سكك حديدية حديثة تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط، وتشمل ثلاثة خطوط قطارات سريعة تربط ميناء السخنة بالإسكندرية وأسوان.

كما يجري الإعداد لمشروع الجسر البري بين مصر والسعودية، والذي تم الانتهاء من تخطيطه، وسيُنفذ فور الاتفاق على تفاصيله التنفيذية، سواء على شكل جسر أو نفق، وإلى جانب ذلك، تلعب شركة الجسر العربي دورًا حيويًا حاليًا في ربط مصر بالأردن والسعودية من خلال 13 مركبًا لنقل البضائع.

مشروع الربط السككي بين القاهرة والخرطوم

أصبح حلم الربط بين مصر والسودان بالسكك الحديدية أقرب من أي وقت مضى، بعد أن أعلن السفير السوداني في القاهرة، الدكتور عماد الدين عدوي، عن اقتراب انتهاء الدراسات الفنية للمشروع خلال الأشهر المقبلة، بتمويل من مؤسسة خليجية قوية.

ويمثل هذا المشروع نقلة نوعية في دعم التجارة والاستثمار بين البلدين، كما يفتح أفقا جديدا أمام حركة النقل البري في الإقليم، ويعزز من موقع مصر كمركز إقليمي لنقل البضائع بين شمال وشرق القارة الإفريقية.

خطة تطوير السكة الحديد في مصر 

تطوير السكة الحديد.. تحول كبير في مجالات اللوجستيات

وتمثل خطة تطوير السكة الحديد في مصر نموذجًا ناجحًا للتخطيط الاستراتيجي طويل المدى، الذي لا يستهدف فقط تحسين خدمات النقل، بل يتجاوز ذلك ليؤسس لبنية تحتية تواكب طموحات الدولة في التحول إلى مركز إقليمي ودولي في مجالات اللوجستيات والنقل المتكامل.

وبينما تواصل الحكومة تنفيذ مشروعات الربط الإقليمي مع الدول المجاورة، من خلال خطوط نقل عابرة للحدود مثل مشروع القاهرة – الخرطوم، والمخطط الطموح لربط مصر بدول الخليج وآسيا، فإن المستقبل القريب يحمل الكثير من التحولات النوعية لهذا المرفق الحيوي، الذي يشهد لأول مرة في تاريخه هذا المستوى من التحديث والاستثمار.

ومع استمرار العمل على الوصول إلى طاقة تشغيلية تبلغ 2 مليون راكب يوميًا و13 مليون طن من البضائع سنويًا بحلول عام 2030، فإن مرفق السكة الحديد يتحول تدريجيًا من مرفق متهالك إلى منظومة ذكية متطورة، تسير بثقة على قضبان التقدم، وتواكب مستهدفات رؤية مصر 2030 للتنمية المستدامة.