أسعار الفائدة المرتفعة تلتهم أرباح نصف الشركات التركية في الربع الأول

تتكبد الشركات التركية، التي دعمت في السابق عودة البنك المركزي إلى السياسات النقدية التقليدية، خسائر واسعة النطاق حاليا، مع اقتراب تكاليف الاقتراض من 50% وسط تصاعد المخاوف من هبوط صعب.
سجلت 269 شركة، من بين 539 شركة أفصحت عن أرباح الربع الأول، خسائر صافية، وفق شركة الوساطة "بيزيم منكول"، بارتفاع من 206 شركات في الفترة نفسها من العام الماضي. وفي الوقت ذاته، انخفض هامش الربح خلال 12 شهراً – وهو مقياس لربحية الشركة مقارنة بإيراداتها – لشركات مؤشر "بي آي إس تي 100" المرجعي إلى 4.1% في نهاية مارس، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأخير من 2020، بحسب بيانات جمعتها "بلومبرج".
أرباح الشركات تتآكل تحت وطأة التشديد النقدي
يجسد تراجع الأرباح تأثير واحدة من أطول فترات التشديد النقدي خلال العقود الماضية، ما يختبر حدود قدرة الشركات التركية على التحمل. أنهى البنك المركزي دورة خفض أسعار الفائدة عقب صدمة سياسية في مارس، محبطا آمال الشركات في تيسير الأوضاع المالية، لتجد نفسها مضطرة الآن إلى إعادة تمويل ديون قصيرة الأجل بأسعار فائدة تجارية تتجاوز 60%.
ويزداد الضغط حدة بسبب قواعد المحاسبة المرتبطة بالتضخم التي طبقت عام 2024، بعد أن تجاوز المؤشر التراكمي لأسعار المنتجين خلال ثلاث سنوات نسبة 100%. وتُقدّر "تي إي بي إنفستمنت" (TEB Investment) أن الشركات الخاضعة للمعايير المحاسبية الجديدة شهدت تراجعاً في صافي الدخل بنسبة 73% خلال الربع الأول مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي.
قال أردم كيلي، مدير الأبحاث في "تي إي بي إنفستمنت" في إسطنبول: "رغم أن القواعد المحاسبية المرتبطة بالتضخم تجعل من الصعب مقارنة الأرباح، فإن أرباح الشركات في الربع الأول تُشير إلى ضعف كبير، ومن المرجح أن يكون هذا أضعف فصل منذ الربع الثاني من 2021، عندما كانت جائحة كوفيد في ذروتها".
تراجع المركزي التركي عن التيسير النقدي
حذرت "ستاندرد أند بورز جلوبال" الشهر الماضي من أن نقص السيولة وارتفاع تكاليف إعادة التمويل يؤثران سلباً على ربحية الشركات التركية واستثماراتها وآفاق نموها.
رحبت الشركات في البداية بالسياسات التقليدية المعتمدة قبل نحو عامين، على أمل أن تمهّد الطريق لاستقرار العملة وتراجع التضخم، بما يُتيح لاحقاً خفضاً مستداماً لأسعار الفائدة بحلول 2025، إلا أن الاضطرابات التي شهدتها السوق في مارس، والتي أشعلتها حادثة اعتقال رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، الخصم السياسي الرئيسي للرئيس رجب طيب أردوغان، أجبرت البنك المركزي على التراجع بشكل مفاجئ عن مسار التيسير النقدي.
ارتفع سعر الفائدة القياسي من 42.5% إلى 46%، فيما ازدادت وتيرة تمويل البنوك من قبل البنك المركزي عبر سعر الإقراض لليلة واحدة الأعلى البالغ 49%، ما أعاد فعلياً أسعار الفائدة إلى مستوياتها قبل نحو عام.
تتجه الأنظار الآن إلى غدا الخميس، إذ يتوقع أن يكشف المحافظ فاتح قرة خان عن أحدث توقعات البنك المركزي بشأن التضخم، ويقدم توجيهات حول ما إذا كانت الظروف النقدية المتشددة ستستمر لفترة أطول.
فقد تباطؤ التضخم زخمه في أبريل، إذ تراجع التضخم السنوي إلى 37.9% من 38.1% في الشهر السابق، ويتوقع مسؤولو البنك المركزي أن يتباطأ التضخم إلى 24% بحلول نهاية العام، إلا أن المسار الحالي يشير إلى احتمال بقاء نمو الأسعار عند مستويات أعلى.
قال محللو الاقتصاد في "بنك أوف أمريكا" في وقت سابق من الشهر الجاري إن تركيا قد تتجه نحو "هبوط صعب"، مشيرين إلى الوضع الكلي الحالي، وظل مؤشر مديري مشتريات التصنيع دون قراءة الحياد البالغة 50 لمدة 13 شهراً متتاليا، فيما تراجع مؤشر الثقة الاقتصادية إلى أدنى مستوى له منذ سبتمبر.
لكن ليست جميع المؤشرات تُشير إلى تراجع؛ إذ لا تزال نسب القروض المتعثرة ضمن الحدود المقبولة للقطاع المصرفي، كما أن معدل البطالة عند مستويات تاريخية منخفضة، رغم ظهور بعض علامات التدهور في سوق العمل بسبب خطط واحدة من أكبر التكتلات الصناعية في تركيا لبيع أصول وتسريح موظفين، في حين خفّض أقدم مصنع سيارات في البلاد عدد عامليه بنسبة 13%.
قلق بين قادة الأعمال الأتراك
يعبر كبار قادة الأعمال أيضاً عن مخاوفهم من استمرار التشديد النقدي لفترة طويلة. إذ قال رئيس غرفة تجارة إسطنبول، إردال باهجيڤان، لوسائل إعلام محلية في مطلع الشهر الجاري: "الإجراءات الأحدث، بدءا من رفع أسعار الفائدة وتشديد أسواق المال، تعني ضغوطاً جديدة على الاقتصاد الحقيقي"، مضيفا: "نحن ندخل فترة يصعب تحملها".
من جانبه، قال نائب محافظ البنك المركزي، جودت أكجاي، إن أسعار الفائدة ستحتاج إلى البقاء عند مستويات مرتفعة لفترة أطول ما لم يثق الأفراد والشركات بالتزام البنك المركزي بكبح التضخم، ويُعدلوا أنماطهم في الشراء والتسعير تبعاً لذلك.