كنز مصري منذ آلاف السنين.. ما حكاية الوقود الحيوي في الوادي الجديد؟

تعد محافظة الوادي الجديد، تلك الواحة الشاسعة في قلب الصحراء الغربية المصرية، واحدة من أكبر المحافظات مساحة وأقلها كثافة سكانية، ولكن ما يجعلها محط أنظار العالم اليوم ليس فقط تراثها الأثري العريق الذي يمتد لآلاف السنين، بل طفرتها الحديثة في مجال الطاقة المتجددة، وبالأخص الوقود الحيوي.
فكيف تحولت هذه الأرض الصحراوية إلى مركز لإنتاج "الذهب الأخضر"، وما حكاية هذا الكنز الذي يربط الماضي بالمستقبل؟، هو ما سنكشفه في هذا التقرير من بانكير.
الوقود الحيوي: تراث قديم بلمسة حديثة
ويعود استخدام الوقود الحيوي إلى آلاف السنين، حيث كان البشر يعتمدون على المواد العضوية مثل الخشب، القش، وروث الحيوانات لتوليد الطاقة، وفي مصر القديمة، كانت هذه المواد تستخدم لإشعال النار وتسخين المعادن.
واليوم يعرف الوقود الحيوي بأنه طاقة مستدامة مستخلصة من الكائنات الحية، سواء كانت نباتات مثل الذرة وقصب السكر أو نفايات زراعية وحيوانية، وفي الوادي الجديد، أصبح هذا النوع من الطاقة ركيزة أساسية لتحقيق التنمية المستدامة.
الجوجوبا: الذهب الأخضر في قلب الصحراء
وتتصدر زراعة نبات الجوجوبا المشهد في الوادي الجديد، حيث أثبتت هذه النبتة الصحراوية قدرتها على تحمل الظروف القاسية من جفاف وارتفاع درجات الحرارة.
وفقًا لتصريحات الدكتور مجد المرسي، وكيل وزارة الزراعة بالمحافظة، تم زراعة حوالي 6 ملايين شتلة جوجوبا على مساحة 7500 فدان، مما يعكس الطموح الكبير لتحويل الصحراء إلى مركز إنتاج اقتصادي.
وزيت الجوجوبا المستخلص من بذور النبات، يستخدم في صناعة وقود الطائرات، وهو من أغلى أنواع الوقود، إلى جانب تطبيقاته في الطب والصيدلة كمضاد للالتهابات والبكتيريا.
وما يميز هذا المشروع هو اعتماده على مياه الصرف الصحي والزراعي للري، مما يقلل الضغط على الموارد المائية الشحيحة في المنطقة، وهذا النهج يعكس رؤية مصر لتحقيق الاستدامة البيئية، حيث تُعد مدينة الخارجة، عاصمة المحافظة، أول مدينة مصرية صديقة للبيئة، كما أعلنت وزيرة البيئة حينها ياسمين فؤاد في يونيو 2022، وفقًا لتقرير نشرته "بي بي سي".

من الماضي إلى المستقبل: الوادي الجديد مركز الابتكار
ولم تكتف الوادي الجديد بإحياء تراث الوقود الحيوي القديم، بل تسعى لتكون رائدة في تطبيقاته الحديثة.
وإلى جانب الجوجوبا، تجرى تجارب لاستخدام الطحالب كمصدر للوقود الحيوي، وهي تقنية واعدة لإنتاج طاقة نظيفة، كما أن المحافظة تستفيد من أعلى نسبة سطوع شمسي في العالم، مما يجعلها مرشحة لتكون مركزًا للطاقة المتجددة بشكل عام، سواء عبر الوقود الحيوي أو الطاقة الشمسية.
وعلى صعيد آخر، تسهم هذه المشروعات في خلق فرص عمل وتعزيز الاقتصاد المحلي، ومحطات إنتاج الوقود الحيوي، مثل تلك المنشأة في قنا المجاورة بمساحة 800 متر مربع، تظهر التكامل بين المحافظات المصرية لتحقيق الأمن الغذائي والطاقي.
وهذه المحطة، تعد نموذجًا لكيفية تحويل النفايات الزراعية إلى طاقة مستدامة.
تحديات وآفاق المستقبل
ورغم النجاحات، تواجه مشروعات الوقود الحيوي في الوادي الجديد تحديات مثل الحاجة إلى استثمارات ضخمة وتطوير تقنيات معالجة الكتلة الحيوية.
ومع ذلك تظل الرؤية واضحة، وهي تحويل الوادي الجديد إلى مركز عالمي للطاقة المتجددة، مع خطوات جادة للتغلب على التحديات.
كنز يتجدد عبر العصور
والوادي الجديد ليس مجرد أرض تحمل آثار الفراعنة والرومان، بل هو مختبر للمستقبل، ومن خلال الجوجوبا والطحالب، يعيد المصريون اكتشاف كنز الوقود الحيوي الذي استخدمه أجدادهم بطرق بدائية منذ آلاف السنين.
وهذا الإرث الممزوج بالابتكار الحديث، يضع الوادي الجديد على خارطة التنمية المستدامة العالمية، مؤكدًا أن الصحراء ليست مجرد رمال، بل أرض خصبة للطاقة والأمل.