70 % من السعر أقساط وفوايد.. 3 سيناريوهات محتملة لـ أسعار العقارات في مصر
لم يعد امتلاك شقة سكنية في مصر مجرد تحدي اقتصادي يمكن تجاوزه بالادخار أو الانتظار، بل تحول إلى معادلة شبه مستحيلة، بسبب ارتفاع أسعار العقارات في مصر بالتزامن مع دخول لا تتحرك بالوتيرة نفسها، فبينما استقر سعر الدولار عند حدود 47.5 جنيه بعد سنوات من التقلبات العنيفة، ولدت مفارقة صارخة تتمثل في استقرار نقدي نسبي يقابله تصاعد غير مسبوق في أسعار العقارات.
ارتفاع أسعار العقارات في مصر.. ما السبب؟
تجاوزت أسعار العقارات في المشروعات الجديدة كل ما اعتاده المصريون خلال العقود الماضية، فلم تعد الملايين القليلة كافية لامتلاك شقة متوسطة، بل باتت غرفة واحدة داخل مشروع إسكان حديث تسعر بما يفوق 9 ملايين جنيه، في حين قفزت أسعار الشقق المكونة من ثلاث غرف وصالة في مدن السادس من أكتوبر والشيخ زايد والقاهرة الجديدة والشروق إلى نطاق يتراوح بين 10 و18 مليون جنيه، وهذه الأرقام لم تعد استثناءات مرتبطة بمشروعات فائقة الفخامة، بل أصبحت شائعة في قطاعات واسعة من السوق، ما يعكس تحولا بنيويا في فلسفة التسعير نفسها.
اللافت أن موجة الارتفاع لم تتوقف عند المشروعات الخاصة، بل امتدت إلى الإسكان الحكومي، الذي طالما اعتُبر صمام أمان للطبقة المتوسطة، حيث تجاوز سعر الشقة في بعض هذه المشروعات حاجز 5 ملايين جنيه، مع اختلافات ترتبط بالموقع ومستوى التميز، وهو ما يطرح تساؤلات عميقة حول جدوى هذه المشروعات إذا باتت بعيدة عن الفئات التي أُنشئت من أجلها في الأساس.

وللمرة الأولى، دخلت وحدات “الاستوديو” بقوة إلى السوق المصرية، على غرار النماذج المنتشرة في مدن عالمية مثل دبي، غير أن المفارقة أن هذه الوحدات الصغيرة، التي يفترض أن تكون مدخلاً أقل كلفة لامتلاك سكن، طرحت بأسعار تتراوح بين 3 و5 ملايين جنيه، ما يكشف أن الأزمة لم تعد أزمة مساحات، بل أزمة تسعير منفصل عن المنطق الاجتماعي والاقتصادي.
تأثير سعر الدولار على ارتفاع أسعار العقارات في مصر
تعود جذور هذا التصاعد الحاد في أسعار العقارات في نصر، إلى مرحلة انفلات سعر الصرف، حين تجاوز سعر الدولار 65 جنيها في السوق السوداء - آنذاك - وأعادت شركات التطوير العقاري تسعير السوق بالكامل، مطلقة مشروعات بأسعار فلكية تستهدف شريحة محدودة من شديدي الثراء، ومن يمتلكون مدخرات دولارية أو قدرة عالية على الدفع.
المشكلة أن هذا التسعير الاستثنائي للوحدات السكنية في المشروعات العقارية الجديدة، والذي نشأ في ظرف استثنائي، لم يتراجع بعد زوال الظرف نفسه، بل تحول إلى قاعدة راسخة واستقرت الأسعار المرتفعة الوحدات السكنية في مصر عند مستوياتها القياسية، بالرغم استقرار سعر الصرف الدولار واختفاء السوق الموازية.
السداد الطويل.. تقسيط على 12 عام
أمام هذه القفزات، لجأ المطورون العقاريون إلى تسويق الوحدات عبر فترات سداد ممتدة وصلت في بعض المشروعات إلى 12 عامًا، في محاولة لامتصاص صدمة أسعار العقارات المرتفعة، إلا أن هذه الآلية، التي تبدو ظاهريا ميسرة، تخفي في جوهرها تضخيما هائلا للتكلفة النهائية.
رجل الأعمال نجيب ساويرس كان من أوائل من حذروا من هذا المسار، واصفا أنظمة السداد الطويلة بأنها “كابوس حقيقي”، إذ تصل الفوائد في بعض الحالات إلى 25%، ما يجعل نحو 70% من قيمة الوحدة أقساط فوائد لا علاقة لها بالقيمة الحقيقية للعقار، وهو ما تسبب في ارتفاع أسعار العقارات في مصر إلى هذه المستويات القياسية.
أسعار العقارات بين القيمة الفعلية والسعر المعروض
لم يعد الغلاء حكرًا على القاهرة الكبرى، بل امتد إلى الشروق، ثم إلى الساحل الشمالي ورأس الحكمة، وصولا إلى الغردقة وشرم الشيخ، واتساع رقعة الأسعار المرتفعة خلق فجوة واضحة بين القيمة الفعلية للعقار وسعره المعروض، وفتح الباب أمام سؤال جوهري: هل يستطيع هذا المسار أن يستمر دون تصحيح؟
الإجابة بدأت تتشكل مع تباطؤ ملحوظ في حركة البيع، وهو ما أكد عليه الخبير الاقتصادي هاني جنينة، مشيرًا إلى أن الارتفاع المبالغ فيه في الأسعار أدى إلى ركود نسبي تعترف به جميع الشركات، موضحا أن أحد أسباب هذا الخلل هو الارتفاع الكبير في سعر الأراضي، التي باتت تمثل ما بين 50 و60% من إجمالي تكلفة المشروع، مقارنة بنحو 30% في السابق، إلى جانب زيادة تكلفة التمويل وارتفاع الفائدة.
وأضاف جنينه، في حوار للعربية، أنه عند تقسيط سعر الوحدة على 10 سنوات أو أكثر، يحمل المواطن فوائد مرتفعة ترفع سعر المتر إلى مستويات “وهمية” لا تعكس التكلفة الحقيقية للوحدة، وهو ما أصاب سوق العقارات بحالة من الركود.
ثلاثة سيناريوهات محتملة لـ أسعار العقارات في مصر
في قراءة استشرافية، طرح الخبير العقاري الدكتور محمد القاضي ثلاثة سيناريوهات لمستقبل أسعارالعقارات في مصر، الأول يتمثل في انخفاض مفاجئ وغير منظم، وهو الأخطر، لما قد يسببه من فقدان الثقة بين المشترين والمطورين، واحتمالات مطالبة العملاء القدامى باسترداد فروق الأسعار، بما يهدد سيولة الشركات وقدرتها على استكمال المشروعات.

وأضاف القاضي في مداخلة لبرنامج تعمير على قناة اون، أن السيناريو الثاني يقوم على فرض تسعيرة جبرية، وهو مسار قد يضر بالسوق ويخلق تشوهات طويلة الأمد، قد تعيد إنتاج أزمات تاريخية مثل أزمة الإيجارات القديمة.
وتابع: "أما السيناريو الثالث، وهو الأكثر توازنًا، فيعتمد على تدخل حكومي ذكي يقوم على خفض تكلفة الأراضي للمطورين مقابل التزامهم بتقليل الأسعار بنسب مدروسة، إلى جانب تنشيط التمويل العقاري ليحل محل التقسيط المباشر من الشركات بعد التسليم، بما يخفف الأعباء ويعيد بعض التوازن للقدرة الشرائية.
وبهذه الصورة، يقف السوق العقاري المصري اليوم عند لحظة مفصلية، تتمثل في أسعار مرتفعة إلى حد الإنهاك، قدرة شرائية متآكلة، ومخزون متزايد من الوحدات التي يصعب تصريفها، وبين خيار التصحيح التدريجي المدروس، أو الاستمرار في مسار تصاعدي قد ينتهي بصدمة أعنف، يبقى السؤال معلقًا: هل تعود العقارات إلى دورها الطبيعي كملاذ للسكن والاستقرار، أم تظل سلعة نخبوية لا يطالها سوى الأثرياء؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام المقبلة.
