الإثنين 08 ديسمبر 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
اقتصاد مصر

لماذا لم تتعاف حركة الشحن عبر البحر الأحمر وقناة السويس رغم انتهاء حرب غزة؟

الإثنين 08/ديسمبر/2025 - 04:30 ص
لماذا لم تتعاف حركة
لماذا لم تتعاف حركة الشحن عبر قناة السويس

ينظر العالم اليوم إلى البحر الأحمر وقناة السويس باعتبارهما شريانين لا غنى عنهما في التجارة الدولية، ومع انتهاء حرب غزة وانحسار التهديدات العسكرية المباشرة، بدا منطقيا أن تعود حركة الملاحة سريعًا إلى سابق عهدها، لكن المفاجأة أن التعافي لم يحدث بالسرعة المتوقعة، بل ما زالت الحركة أبعد ما تكون عن مستوياتها الطبيعية، الأمر الذي فتح الباب أمام تساؤلات ضخمة حول السبب الحقيقي وراء هذا البطء.

وعند الاقتراب من الصورة الكاملة، يتضح أن القصة ليست مرتبطة بالصواريخ ولا بالهجمات ولا حتى بالاضطرابات الأمنية، بل تتعلق بعامل آخر أكثر عمقًا وحساسية بالنسبة لشركات الشحن العالمية: الخوف من انهيار أسعار الشحن في حال عودة الأساطيل بكامل طاقتها إلى قناة السويس والبحر الأحمر مجددًا.

أسباب ضعف حركة الملاحة في قناة السويس

بالرغم من وقف استهداف السفن وإجراءات الطمأنة الأمنية، واستمرار الحوافز التي تقدمها قناة السويس لجذب السفن للعودة إلى مسارها الطبيعي، فإن العديد من خطوط الملاحة الكبرى لا تزال تميل إلى التريث، فشركات الشحن التي حققت مكاسب ضخمة خلال فترة التوترات في البحر الأحمر ـ عبر ارتفاع أسعار الشحن العالمية لمستويات غير مسبوقة-  باتت تخشى اليوم أن يؤدي الانسياب الملاحي الكامل إلى وفرة كبيرة في الطاقة المتاحة، وبالتالي إلى تراجع جديد وحاد في الأسعار.

لماذا لم تتعاف حركة الشحن عبر البحر الأحمر وقناة السويس رغم انتهاء حرب غزة؟

ومن أبرز المؤشرات على ذلك أن أسهم شركة ميرسك العملاقة تراجعت فور إعلان الهدنة في غزة قبل أسابيع، وهو ما فسره المحللون بأنه ناتج عن توقع انخفاض أسعار الشحن مع تحسن فرص المرور الآمن عبر قناة السويس.

تقارير عالمية: عودة الملاحة لقناة السويس ستزيد الطاقة المتاحة في سوق الشحن

التقارير الصادرة عن SBI European Bank "سيدبانك" و ABG Sundal Collier كانت أكثر وضوحًا، إذ كشفت أن عودة الملاحة الكاملة إلى قناة السويس ستزيد الطاقة المتاحة في سوق الشحن العالمي، وهو ما سيضغط على أسعار هبطت بالفعل من مستويات قياسية تاريخية، ولهذا السبب أعلنت ميرسك نيتها العودة تدريجيًا، لكنها سرعان ما صرحت لوكالة “رويترز” بأن موعد العودة غير محسوم، ولا يوجد تاريخ محدد حتى الآن.

شركات أخرى تفضل تأجيل العودة لقناة السويس

الأمر لا يقتصر على ميرسك، فشركات يابانية كبرى، وكذلك "NYK"، قررت رسميًا تأجيل العودة إلى الممر الملاحي عبر البحر الأحمر وقناة السويس، ورغم أن هذه الشركات تشير إلى استمرار المخاطر الجيوسياسية، إلا أن هذه الأسباب لم تعد وحدها في صدارة المشهد.

فالسبب الأكثر حساسية ـ وفق محللي السوق ـ هو اقتصادي بحت: الأسعار الفورية للحاويات انخفضت هذا العام بأكثر من 50%، والشركات تخشى أن يؤدي التدفق نحو قناة السويس إلى ضخ طاقة شحن فائضة تُغرق السوق، وتدفع الأسعار لمستويات أدنى، بما يهدد أرباحها مباشرة.

العودة تعني تحرير طاقة هائلة في السوق

تشير تقديرات دولية إلى أن العودة الكاملة للملاحة في البحر الأحمر وقناة السويس ستطلق ما بين 6 و7% من طاقة الشحن العالمية، أي ما يقرب من مليوني حاوية كانت تتحرك حول رأس الرجاء الصالح خلال العام الماضي، وهذا الرقم كفيل بإحداث هزة حقيقية في سوق الشحن، وهي هزة لا ترغب الشركات في دفع ثمنها الآن.

لماذا لم تتعاف حركة الشحن عبر البحر الأحمر وقناة السويس رغم انتهاء حرب غزة؟

الصورة المركبة تقول بوضوح إن الشركات ليست خائفة من الحرب، ولا من الهجمات، بقدر ما تخشى من سوق يعج بالقدرة الزائدة والمنافسة الشرسة والانخفاض الحاد في أسعار النقل البحري.

توقعات هيئة قناة السويس: العودة الكاملة قد تستغرق وقتًا أطول

في ظل هذه الظروف، يرى الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس أن العودة الكاملة للأساطيل ربما لن تتحقق قبل نهاية عام 2026، وهو ما يعني عامًا إضافيًا من البطء النسبي، رغم وجود مؤشرات واضحة على تحسن متدرج.

المفارقة أن البحر الأحمر عاد هادئا، والصراع توقف، لكن سوق الشحن العالمي بقي أكثر اضطرابًا من أي وقت مضى. فالعائق الحقيقي أمام التعافي ليس جيوسياسيا، بل اقتصاديًا خالصًا، الشركات باتت ترى أن الخطر الأكبر ليس في المرور عبر البحر الأحمر، بل في العودة إليه بسرعة كبيرة، بما قد يؤدي إلى تراجع أرباحها وتفاقم المنافسة، في لحظة مفصلية يعاد فيها تشكيل بنية التجارة البحرية العالمية من جديد.