الثلاثاء 09 ديسمبر 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير التنفيذي
أحمد لطفي
تحليل

38 مليار دولار تغير قواعد اللعبة.. هل تعرقل الأموال الساخنة مسار خفض العوائد الحكومية؟

الثلاثاء 09/ديسمبر/2025 - 09:00 م
هل تعرقل الأموال
هل تعرقل الأموال الساخنة مسار خفض العوائد الحكومية

تشهد السوق المالية المصرية خلال الفترة الحالية واحدة من أكثر اللحظات تعقيدًا على مستوى سياسات سعر الفائدة، إذ يظهر اتجاهان متعاكسان يتحركان جنبًا إلى جنب، الأول منهما يتمثل في الهبوط الواضح في أسعار الفائدة على القروض والودائع داخل الجهاز المصرفي، والثاني هو بقاء عوائد أدوات الدين الحكومية عند مستويات مرتفعة لا تتماشى مع هذا التراجع.

هذه المفارقة غير المألوفة فتحت بابا واسعا للتساؤلات حول الأسباب الخفية التي تعيد رسم مشهد السياسة النقدية في مصر، وحول ما إذا كانت الدولة ما زالت تعتمد على تدفقات قصيرة الأجل أو ما يعرف بالأموال الساخنة، رغم مخاطرها العالية، أم أنها سوف تتجه للاعتماد على الاستثمارات طويلة الأجل لتثبت دعائم الاقتصاد خلال الفترات المقبلة وخفض الدين العام.

مصر في مواجهة لموجة تضخمية قاسية منذ 2020

يأتي هذا الوضع بعد سنوات من مواجهة مصر لموجة تضخمية قاسية بدأت منذ 2020، حين قفزت معدلات التضخم إلى نحو 38%، لتدفع البنك المركزي إلى اتخاذ تحركات استباقية تعتمد على رفع أسعار الفائدة إلى مستويات مرتفعة بهدف احتواء الضغوط السعرية.

38 مليار دولار تغير قواعد اللعبة.. هل تعرقل الأموال الساخنة مسار خفض العوائد الحكومية؟

هذا النهج الذي اتخذته الدولة في القطاع الاقتصادي، نجح في تقليص التضخم تدريجيا إلى حدود 12% تقريبا اليوم، وهو ما أتاح للبنك المركزي خفض الفائدة بمقدار 625 نقطة أساس منذ بداية العام، في واحدة من أسرع وتيرة تخفيض تشهدها السوق المصرية خلال سنوات.

ومع انخفاض الفائدة الأساسية، انعكس الوضع مباشرة على الودائع والقروض والشهادات البنكية، التي بدأت بدورها تسجل تراجعا ملموسًا في العوائد وأسعار الاقتراض، ولكن ورغم هذا، ظل قطاع واحد – أدوات الدين الحكومية – خارج هذه المعادلة.

عوائد أدوات الدين.. لماذا تبدو مقاومة للهبوط؟

القواعد الاقتصادية التقليدية تفترض أن عوائد السندات وأذون الخزانة تتحرك عمومًا في الاتجاه نفسه لسعر الفائدة، لكن الأرقام الحالية تكشف تباطؤا لافتا في الهبوط، إذ أن أذون 3 أشهر انخفضت بشكل محدود بنحو 0.5%، بينما أذون 6 أشهر تراجعت بأقل من نقطة مئوية، أما أذون 9 أشهر فقد شهدت هبوط يقارب 1%، أذون 12 شهرًا تراجعت من 26% إلى 25.4% فقط.

هذا الانخفاض البسيط يكاد يكون غير متناسب مع الخفض الكبير في أسعار الفائدة البنكية، مما يوحي بوجود اعتبارات أخرى تتجاوز قواعد السوق البحتة، بحسب تقديرات خبراء الاقتصاد، يكمن الجواب في تدفقات الأموال الساخنة، وهي الاستثمارات قصيرة الأجل التي تتحرك بسرعة داخل الأسواق الناشئة بحثًا عن عوائد مرتفعة، وتخرج بالسرعة نفسها عند أول إشارة اضطراب.

38 مليار دولار.. حجم الأموال الساخنة في مصر

مصر تحديدا تعتمد منذ سنوات على هذه التدفقات لاحتواء فجوات العملة الأجنبية وتوفير سيولة دولارية سريعة لدعم استقرار السوق، وعقب قرارات مارس 2024 ـ التي شملت تحريرا كاملا لسعر الصرف ورفعًا كبيرًا للفائدة ـ تدفقت نحو 38 مليار دولار إلى أدوات الدين المصرية حتى نهاية مارس الماضي.

هذا الرقم الضخم لا ترغب الحكومة في خسارته، خصوصًا بعد تجربة عام 2022، حين خرجت الأموال الساخنة بشكل مفاجئ عقب اندلاع حرب أوكرانيا مع روسيا، ما تسبب في ارتباك واسع داخل السوق وضغوط حادة على الوضع المالي والنقدي، ومنذ ذلك الحين أصبحت السياسة أكثر تشددا في الحفاظ على هذه التدفقات، عبر الإبقاء على العوائد مرتفعة بما يكفي لمنع خروج المستثمرين الدوليين.

الفائدة المرتفعة على الدين: ضرورة أم تكلفة؟

وتلعب الأموال الساخنة دورا مزدوجا، فهي تدعم الاقتصاد من ناحية عبر توفير سيولة دولارية سريعة، لكنها من ناحية أخرى مكلفة نظرا لارتفاع العائد الذي تتحمله الدولة على أدوات الدين، ومع ذلك، فإن استمرار الاحتفاظ بها قد يكون خيارًا أقل مخاطرة في لحظات حساسة، خاصةً قبل اكتمال عودة التدفقات الأكثر استقرارًا مثل: إيرادات قناة السويس، وإيرادات السياحة، وزيادة الصادرات السلعية، وتحويلات المصريين بالخارج.

38 مليار دولار تغير قواعد اللعبة.. هل تعرقل الأموال الساخنة مسار خفض العوائد الحكومية؟

هل ما زالت الحكومة تعتمد على الأموال الساخنة؟

إلى جانب ذلك، تحتاج الأسواق العالمية إلى مزيد من الوقت لالتقاط إشارات الاستقرار في الاقتصاد المصري قبل إعادة ضخ استثمارات طويلة الأجل بكميات كبيرة، ولكن يبقى التساؤل الجوهري أمام كل هذه المعطيات:
هل ما زالت الحكومة المصرية تعتمد فعليًا على الأموال الساخنة كأداة أساسية للحفاظ على الاستقرار المالي رغم الحديث عن إقبال استثماري متزايد وثقة متنامية من المؤسسات الدولية؟ وهل استمرار عوائد أدوات الدين عند مستويات مرتفعة يشير إلى رغبة واضحة في الإبقاء على هذه التدفقات مهما بلغت التكلفة؟

الإجابة النهائية تبدو مرهونة بالأسابيع المقبلة وما ستكشفه بيانات الدين العام والميزان النقدي وسلوك المستثمرين العالميين، لكن المؤكد أن الدولة تتحرك على خيط دقيق بين رغبتها في تخفيض تكلفة الاقتراض المحلي وبين حاجتها لتأمين شبكة أمان دولارية تمنع تكرار صدمات خروج رؤوس الأموال، وتمنح الاقتصاد الوقت الكافي لاستعادة تدفقاته المستدامة.