أسعار الغاز في أوروبا تكسر حاجز 30 يورو لأول مرة منذ مايو 2024
هبطت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا إلى مستويات هي الأدنى منذ أكثر من 18 شهراً، بعدما تراجعت العقود الآجلة لتسليم الغاز إلى ما دون 30 يورو لكل ميجاوات ساعة للمرة الأولى منذ مايو 2024، في ظل تراجع واضح لضغوط السوق وتحسن عوامل العرض مقابل الطلب. وجاء هذا الانخفاض الملحوظ نتيجة تلاقي عدة تطورات إيجابية على الساحة الاقتصادية والجيوسياسية، أبرزها ارتفاع مستويات الواردات من الغاز الطبيعي المسال، وتحسن المخزونات الأوروبية، إلى جانب مناقشات متقدمة بشأن إنهاء الحرب الروسية الأوكرانية، ما خفّف من مخاوف الأسواق بشأن استمرار التوترات وتقلبات الإمدادات.
وتأتي هذه التطورات في وقت تسعى فيه الدول الأوروبية إلى تعزيز أمن الطاقة بعد الأزمة الحادة التي واجهتها منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا في فبراير 2022، والتي أدت إلى اضطرابات في سلاسل الإمداد وارتفاع كبير في أسعار الطاقة، ما تسبب في ضغوط اقتصادية على الحكومات والأسر والشركات خلال 2023 و2024. غير أن الأشهر الأخيرة شهدت تحولاً ملحوظاً في اتجاه السوق مع قدرة أوروبا على تنويع مصادرها من الغاز، وزيادة الاعتماد على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة وقطر ودول أخرى، فضلاً عن ارتفاع الطاقة التخزينية في دول الاتحاد الأوروبي بشكل غير مسبوق قبل حلول فصل الشتاء الحالي.
وبحسب بيانات أولية صادرة عن مراكز رصد الطاقة الأوروبية، فإن المخزونات في الدول الأعضاء تجاوزت 92% قبل نهاية نوفمبر، وهو مستوى مرتفع تاريخياً مقارنة بالمتوسط الموسمي. ويُنظر إلى هذا الارتفاع على أنه عامل رئيسي في تهدئة السوق، حيث خفّض الطلب على شراء عقود الغاز الفورية وقلل من تقلبات الأسعار اليومية، خاصة في ظل ضعف الطلب الصناعي في عدد من الاقتصادات الأوروبية الكبرى نتيجة تباطؤ الإنتاج خلال 2024 و2025.
وتشير تقديرات محللين متخصصين في قطاع الطاقة إلى أن التراجع الأخير في الأسعار يمثل نقطة تحول مهمة بعد سنوات من الضغوط التي أدت إلى ارتفاع أسعار الكهرباء والتدفئة وتكاليف الإنتاج الصناعي، ما ألقى بعبء كبير على الحكومات الأوروبية التي اضطرت إلى ضخ مليارات اليورو في برامج دعم المواطنين والشركات. ومع انخفاض الأسعار الحالية، تتوقع التقارير أن تنعكس التطورات على تكلفة المعيشة والتضخم في كانون الأول / ديسمبر 2025 وما بعده، خاصة في فرنسا وألمانيا وإيطاليا التي كانت الأكثر تأثراً بأزمة الطاقة.
وفي السياق الجيوسياسي، تتابع الأسواق باهتمام المحادثات الجارية بين واشنطن وكييف وموسكو حول التوصل إلى اتفاق تسوية يوفر إطاراً لإنهاء الحرب، وهي مباحثات وصفت بأنها الأكثر تقدماً منذ بدء النزاع. وقد أدت هذه المناقشات إلى تراجع المخاوف بشأن أي تعطّل محتمل في خطوط الأنابيب أو تهديدات للأمن الطاقي الأوروبي، لا سيما مع هدوء التوترات العسكرية الأخيرة وتراجع المخاطر النوعية في الأسواق العالمية للطاقة.
وعلى الرغم من الانخفاض الكبير في الأسعار، يرى محللون أن الصورة ليست نهائية بعد، إذ تعتمد استدامة هذا التراجع على عدة عوامل، منها ثبات الإمدادات خلال ذروة الشتاء، وعدم تعرض خطوط الشحن العالمية لأي اضطرابات، إلى جانب استمرار تراجع الطلب الصناعي، خاصة في القطاعات كثيفة الاستهلاك للطاقة مثل الأسمدة والبتروكيماويات والمعادن.
كما يتوقع خبراء أن تلعب قرارات دول إنتاج الغاز، وعلى رأسها قطر والولايات المتحدة وروسيا، دوراً مؤثراً في شكل السوق خلال الربع الأول من 2026، إلى جانب توجهات الدول الأوروبية بشأن تطوير مشاريع الطاقة المتجددة والتحول بعيداً عن الوقود الأحفوري، والذي يمثل أحد المحاور الإستراتيجية طويلة الأجل في القارة.
وتستمر بورصات الطاقة الأوروبية في مراقبة حركة الأسعار خلال الأسابيع المقبلة وسط حالة من التفاؤل الحذر، بينما تشير التقديرات الأولية إلى إمكانية استمرار الأسعار داخل نطاق منخفض إذا لم تظهر عوامل صدمة جديدة في السوق خلال فصل الشتاء.
