بوابة مصر اللوجستية الجديدة.. كيف صعد ميناء شرق بورسعيد إلى قمة الموانئ العالمية؟
في لحظة تتقاطع فيها طرق التجارة العالمية وتتغير فيها خرائط النفوذ البحري، ينهض ميناء شرق بورسعيد كواحد من أكثر المشاريع اللوجستية حضورا وتأثيرا في المشهد الإقليمي والدولي عام 2025، حيث لم يعد الميناء مجرد نقطة عبور أو مساحة ملاحية تتعامل مع الحاويات، بل تحول إلى منصة استراتيجية تتقاطع عندها التجارة القادمة من الشرق مع مسارات الغرب، وتتصل عبرها أسواق أفريقيا بالأسطول البحري الأوروبي والآسيوي.
وشهد الرئيس عبد الفتاح السيسي بالأمس افتتاح عدد من المحطات البحرية الجديدة، في خطوة تمثل نقلة نوعية في منظومة الموانئ المصرية، وتعزز طموح الدولة لتحويل ميناء شرق بورسعيد إلى أكبر مركز حاويات في أفريقيا وثالث أكبر ميناء من نوعه على مستوى العالم، في خطوة تهدف إلى رفع كفاءة الخدمات البحرية وجذب المزيد من الاستثمارات الدولية إلى المنطقة الاقتصادية.
نشأة ميناء شرق بورسعيد وموقعه الاستراتيجي
بدأت قصة ميناء شرق بورسعيد عام 2004، عندما جرى تأسيسه ضمن خطة تمتد لزيادة الطاقة الاستيعابية للموانئ المصرية، حيث يقع الميناء على الضفة الشرقية لقناة السويس، شرق مدينة بورسعيد، وعلى مقربة من المدخل الشمالي للقناة بنحو 30 كيلومترا، ويمتد الميناء على مساحة ضخمة تبلغ 8.8 كيلومترات مربعة، تتضمن 16 مليون متر مربع من المسطح المائي و14 مليون متر مربع مناطق أرضية.

يمتلك الميناء أرصفة يصل طولها حالياً إلى 14.6 كيلومتراً، بعمق يبلغ 22 متراً، ما يسمح باستقبال أكبر السفن العابرة للقناة دون قيود، وترتبط هذه المساحة بشبكة نقل متطورة تضم نفق 3 يوليو وعدداً من الطرق المحورية، إضافة إلى خط سكك حديدية يمتد بطول 42 كيلومتراً، ما يجعل الموقع نقطة التقاء طبيعية بين قارات العالم.
وعلى مدار السنوات الماضية، تضاعف التطور في الميناء بشكل لافت، إذ ارتفع طول الأرصفة من 8 كيلومترات عام 2014 إلى 14.6 كيلومتراً مع نهاية 2025، نتيجة إضافة 6.3 كيلومترات جديدة أسهمت في رفع الطاقة السنوية للميناء لتصل إلى 9 ملايين حاوية مكافئة.
ميناء شرق بورسعيد الأول في إفريقيا والثالث عالميا
يمثل الميناء أحد أعمدة الاقتصاد المصري، ويستحوذ على نسبة تصل إلى 70% من حركة الترانزيت التي تمر بقناة السويس، وتؤكد تقارير الأداء العالمي للموانئ ذلك عبر تصنيفات جاءت لصالح الميناء خلال الفترة الأخيرة، حيث احتل المرتبة الثالثة عالمياً والأولى على مستوى منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في مؤشر أداء الموانئ لعام 2024.
كما تقدم الميناء في تصنيف Lloyd's List لعام 2025 إلى المرتبة 53 عالميا، مسجلا تحسنا بنسبة 20% في كفاءته التشغيلية خلال الفترة من 2020 إلى 2025، وتعكس هذه القفزات مكانة الميناء كمركز إقليمي مؤثر قادر على مواكبة تطورات النقل البحري العالمي.

اقتصادياً، تعد المنطقة الاقتصادية للميناء مركزاً لجذب الاستثمارات، والتي بلغت قيمتها منذ عام 2016 نحو 11.6 مليار دولار، وأسهمت هذه الاستثمارات في خلق ما يزيد على 136 ألف فرصة عمل مباشرة داخل المنطقة الاقتصادية، إلى جانب دعم الصناعات التصديرية مثل تجميع السيارات والمنتجات الزراعية، مستفيدة من خطوط ملاحية تربط أوروبا وآسيا والدول الأفريقية.
افتتاحات نوفمبر 2025: توسعات تؤسس لمرحلة جديدة
كان أمس الأحد 16 نوفمبر 2025 محطة فارقة في تطوير ميناء شرق بورسعيد، حيث شهد الرئيس السيسي افتتاح عدة مرافق بحرية جديدة داخل المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وشملت الافتتاحات محطة متعددة الأغراض تابعة لمجموعة Sky Ports، إضافة إلى محطة السيارات في قناة السويس (SCAT) المتخصصة في الإنتاج والتصدير.
كما جرى الإعلان عن توسعة جديدة في محطة حاويات قناة السويس (SCCT) باستثمارات بلغت 500 مليون دولار، تتضمن إنشاء رصيف جديد وساحات تخزين ومعدات تداول حديثة، ما يرفع القدرة السنوية للمحطة إلى 6.6 ملايين حاوية مكافئة، بزيادة تبلغ 2.1 مليون حاوية.
وبحلول نوفمبر 2025، تجاوزت مساحة الموانئ المصرية 75 مليون متر مربع، مع خطة للوصول إلى 100 مليون متر مربع بحلول عام 2030 وعلى مستوى شرق بورسعيد، يبلغ طول الأرصفة 14.6 كيلومتراً، ويضم الميناء 44 ونشاً على الأرصفة و128 ونشاً داخل الساحات، بالإضافة إلى 52 قاطرة بقدرة سحب تصل إلى 70 طناً.

ومنذ عام 2015، استقبل الميناء كميات ضخمة من البضائع بلغت 1.6 مليار طن، إلى جانب تداول 72 مليون حاوية مكافئة، كما تقوم منظومة تشغيل الميناء على أنظمة تحكم تعتمد على الذكاء الاصطناعي، بما يعزز الدقة ويقلل فترات الانتظار.
“شرق بورسعيد”.. نحو مركز لوجيستي عالمي متكامل
يمضي ميناء شرق بورسعيد بثبات نحو ترسيخ مكانته كمركز بحري عالمي، مستفيداً من توسعات 16 نوفمبر 2025، وما تبعها من تطوير في الأداء وقدرات التشغيل، ويمثل الميناء نقطة تحول في رؤية مصر 2030، باعتباره جسراً يربط بين القارات الثلاث، ومنصة رئيسية لإعادة صياغة خريطة التجارة الدولية في المنطقة.


