الإنتاج الصناعي في الصين يسجل أضعف وتيرة نمو منذ أكثر من عام وسط تصاعد الضغوط الاقتصادية
شهد الاقتصاد الصيني مزيدًا من التباطؤ خلال أكتوبر تشرين الأول 2025، بعدما سجّل الإنتاج الصناعي ومبيعات التجزئة أضعف وتيرة نمو منذ أكثر من عام، في وقت تواجه فيه البلاد تحديات متراكمة تتضمن الحرب التجارية المتصاعدة مع الولايات المتحدة، وتداعيات ضعف الطلب المحلي، والمخاطر المتصاعدة على وتيرة التعافي الاقتصادي. ويزيد هذا الأداء الضعيف الضغوط على صناع القرار في بكين لإعادة تنشيط اقتصاد يعتمد على التصدير بقيمة تتجاوز 19 تريليون دولار.
وبحسب بيانات المكتب الوطني للإحصاء، ارتفع الإنتاج الصناعي بنسبة 4.9% على أساس سنوي، مسجلًا أبطأ معدل منذ أغسطس 2024، ومقارنة بارتفاع قوي بلغ 6.5% في سبتمبر. كما جاءت القراءة دون توقعات السوق التي رجحت نموًا عند 5.5%. وعلى جانب آخر، لم تكن بيانات الاستهلاك أفضل حالًا، إذ ارتفعت مبيعات التجزئة بنسبة 2.9% فقط، وهي أسوأ وتيرة منذ أكثر من عام، ما يعكس ضعفًا متواصلًا في ثقة الأسر الصينية رغم التخفيضات السعرية المرتبطة بموسم «يوم العزاب»، الذي يعد عادة ذروة النشاط الاستهلاكي.
خيارات محدودة أمام صناع السياسات
تواجه بكين معضلة اقتصادية معقدة، إذ تقف أمام خيارين رئيسيين: تنشيط القطاع الصناعي لتعويض ضعف إنفاق المستهلكين المحليين، أو زيادة الاعتماد على الإنفاق الحكومي لتمويل مشاريع البنية التحتية، الأمر الذي من شأنه دعم الناتج المحلي الإجمالي، لكنه يفاقم المخاطر المتعلقة بالديون، خاصة في المقاطعات المثقلة بالتزامات مالية ضخمة تعادل اقتصادات دول بأكملها.
وقد أقرّ صناع السياسات بوجود اختلالات تاريخية بين العرض والطلب، ما يفرض ضرورة الإصلاح وزيادة مساهمة الاستهلاك المحلي. إلا أن تنفيذ إصلاحات هيكلية واسعة يعتبر مهمة محفوفة بالمخاطر السياسية، خاصة في ظل الحرب التجارية مع الولايات المتحدة، التي زادت من الضغط على الصادرات وأرباح الشركات المصنعة.
تباطؤ الصادرات ومبيعات السيارات يعمّق القلق
وجاءت بيانات التجارة الخارجية لتزيد الصورة قتامة، بعد تسجيل الصادرات تراجعًا غير متوقع في أكتوبر نتيجة تعجيل الشحنات خلال الأشهر الماضية لتفادي الرسوم الجمركية الأميركية. وفي قطاع السيارات، توقفت مبيعات المركبات عن النمو للمرة الأولى منذ ثمانية أشهر، رغم توقعات بزيادة الطلب قبل انتهاء الإعفاءات الضريبية وبعض برامج الدعم الحكومي، ما يعكس استمرار ضعف ثقة المستهلكين.
ولم تفلح التخفيضات السعرية الكبيرة خلال مهرجان «يوم العزاب» في إحداث التأثير المتوقع، ما يشير إلى مقاومة المستهلكين للإنفاق، وسط قلق متزايد من ظروف الاقتصاد الكلي.
الاستثمار يواجه ضغوطًا إضافية
لم يتوقف التراجع عند حدود الإنتاج والاستهلاك، إذ أظهرت البيانات انخفاض الاستثمار في الأصول الثابتة بنسبة 1.7% خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقابل توقعات بانخفاض 0.8% فقط. ويعد هذا التراجع امتدادًا لانكماش سابق بنسبة 0.5% سجلته الفترة من يناير إلى سبتمبر، ما يؤكد أن الشركات لا تزال حذرة في توجيه استثمارات جديدة.
وعقد الحزب الشيوعي الصيني اجتماعًا مهمًا الشهر الماضي لتحديد المسار الاقتصادي للسنوات الخمس المقبلة، مؤكدًا اعتزامه تعزيز مساهمة الاستهلاك المحلي في الاقتصاد، بالإضافة إلى دعم القاعدة الصناعية الضخمة للبلاد. إلا أن مراقبين يرون أن بكين قد تعود إلى استراتيجيتها التقليدية المتمثلة في دعم الشركات الكبرى على حساب القطاع الخاص، وهي سياسة بدأت بوادرها تظهر مجددًا، ما قد يعيد إنتاج الاختلالات نفسها التي يعاني منها الاقتصاد الصيني.
