ماذا يعني إعفاء الصادرات المصرية إلى الصين من الرسوم الجمركية؟
تتهيأ الأوساط الاقتصادية في مصر لحدث اقتصادي استثنائي خلال الأيام المقبلة، مع اقتراب بدء تنفيذ قرار الصين بإعفاء الصادرات المصرية من الرسوم الجمركية، في خطوة تعيد رسم ملامح التعاون التجاري بين البلدين وتضع العلاقات الاقتصادية الثنائية على مسار أكثر عمقا وتوازنا.
ويمثل القرار - الذي يأتي ضمن مبادرة "الشراكة من أجل التنمية" التي تتبناها بكين - تحولا استراتيجيا في نمط التبادل التجاري، إذ ينقل العلاقات بين مصر والصين من إطار الشراكة التقليدية إلى مستوى "التكامل الاقتصادي المشترك"، القائم على فتح الأسواق، وتحفيز الإنتاج، وتنويع مصادر الدخل الدولاري لمصر.
لماذا اختارت الصين مصر لاعفاءها من الرسوم الجمركية؟
منذ إعلان السفير الصيني في القاهرة ليا ليتشيانغ في أكتوبر الماضي عن دراسة بلاده إعفاء الصادرات المصرية من الرسوم الجمركية، اتجهت الأنظار إلى هذا القرار باعتباره أحد أهم التحولات في تاريخ العلاقات التجارية المصرية الصينية.
فالصين، التي تعد ثاني أكبر اقتصاد في العالم، ترسل بهذا القرار إشارة واضحة إلى رغبتها في تحويل القاهرة إلى مركز محوري في شبكة تجارتها مع الشرق الأوسط وإفريقيا، مستندة إلى ما تمتلكه مصر من موقع جغرافي فريد واتفاقات تجارة حرة تربطها بأكثر من 60 دولة.

فوائد إعفاء الصادرات المصرية للصين من الرسوم الجمركية
القرار الصيني يمثل نقلة نوعية في بيئة التبادل التجاري بين البلدين، حيث تتجاوز آثاره البعد المالي إلى أبعاد هيكلية أعمق تمس الصناعة، والتجارة الخارجية، والاستثمار المباشر، وتتمثل فوائد إعفاء الصادرات المصرية للصين من الرسوم الجمركية في الآتي:
1. خفض التكاليف وتعزيز تنافسية المنتج المصري
عادةً ما تتراوح الرسوم الجمركية المفروضة في السوق الصيني بين 5 و25% تبعًا لطبيعة السلعة، وإعفاؤها من هذه الرسوم يعني أن المنتجات المصرية ستدخل السوق الصيني بسعر أقل وأكثر قدرة على المنافسة، هذا الخفض يعزز جاذبية الصادرات المصرية في قطاعات الزراعة والمنسوجات والكيماويات، خاصة أن الصين تعد من أكبر المستوردين عالميا لتلك السلع.
2. فتح السوق الصيني أمام المنتج المصري
يمثل القرار خطوة حاسمة في تمكين مصر من النفاذ إلى السوق الصيني الضخم، الذي يضم أكثر من 1.4 مليار مستهلك، ما يتيح للمنتجات المصرية انتشارا أوسع في آسيا.
ويتوقع الخبراء أن يؤدي ذلك إلى رفع قيمة الصادرات المصرية إلى الصين من 1.5 مليار إلى 5 مليارات دولار خلال خمس سنوات، بما يحقق طفرة في الحصيلة الدولارية ويدعم خطة الدولة لزيادة الصادرات إلى 145 مليار دولار سنويا بحلول 2030.

3. تقليص العجز التجاري وتحسين هيكل الصادرات
الميزان التجاري المصري مع الصين يميل لصالح بكين منذ سنوات طويلة، ومع الإعفاء الجمركي، سيبدأ تدريجيا في التحول نحو توازن أكبر، خاصة مع اتساع صادرات القطاعات الزراعية والصناعية المصرية.
4. تحفيز الاستثمارات الصينية في مصر
الإعفاء الجمركي لا يفيد الصادرات فقط، بل يفتح الباب أمام جولة جديدة من الاستثمارات الصينية داخل مصر، إذ تسعى الشركات الصينية إلى الاستفادة من موقع مصر الجغرافي واتفاقاتها التجارية لتصنيع منتجاتها محليا ثم إعادة تصديرها.
هذا التوجه يترجم عمليا في توسع منطقة "تيدا" الصينية المصرية بالمنطقة الاقتصادية لقناة السويس، التي تضم أكثر من 200 شركة باستثمارات تتجاوز 3 مليارات دولار وتوفر 70 ألف فرصة عمل مباشرة.

الاستثمارات الصينية في مصر تبلغ 9 مليار دولار
وقال المستشار محسن الششتاوي، المدير التنفيذي لمؤسسة رجال الأعمال المصريين الصينيين، إن الاستثمارات الصينية الحالية في مصر تبلغ نحو 9 مليارات دولار، موزعة على نحو 2900 شركة تعمل في مجالات الصناعة والطاقة والخدمات اللوجستية، وفقًا لبيانات مؤسسة رجال الأعمال المصريين الصينيين.
وأضاف الششتاوي، في تصريحات لبرنامج الاقتصاد 24 المذاع عبر القناة الأولى المصرية، أنه يتوقع أن ترتفع هذه الاستثمارات إلى 16 مليار دولار خلال السنوات الأربع المقبلة، مدفوعة بقرار الإعفاء الجمركي الذي يعد حافزا إضافيا للشركات الصينية لتوسيع نشاطها داخل مصر.
ويؤكد الششتاوي أن هذا الزخم الاستثماري يعكس ثقة المستثمر الصيني في استقرار الاقتصاد المصري، مشيرًا إلى أن المنطقة الاقتصادية لقناة السويس أصبحت منصة متكاملة للتصنيع الموجه للأسواق الإفريقية والعربية.
الإعفاء الجمركي خطوة تتجاوز الاقتصاد
ويرى أحمد زكي، أمين عام شعبة المصدرين بالاتحاد العام للغرف التجارية، أن القرار الصيني بإعفاء الصادرات المصرية من الرسوم الجمركية هو أقوى مؤشر على عمق العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وبكين، مشيرا إلى أنه سيساهم في تحسين ميزان التجارة لصالح مصر تدريجيًا، إلى جانب زيادة تدفقات الاستثمارات الدولارية.
وأضاف أن التحدي الحقيقي الآن يتمثل في تحويل الإعفاء إلى مكسب دائم من خلال وضع خطة تصديرية واضحة للسنوات الخمس المقبلة، تشمل تطوير البنية الصناعية، وتحفيز الإنتاج الموجّه للتصدير، وتشجيع نقل المصانع الصينية إلى مصر للاستفادة من المزايا التنافسية التي تتيحها الدولة للمستثمرين.

انعكاسات القرار على الاقتصاد المصري
وأشار زكي أن الخطوة الصينية تحمل تأثيرات متعددة على الاقتصاد الكلي المصري خلال العام المقبل، من أبرزها:
- تحسن تدريجي في تدفقات النقد الأجنبي نتيجة ارتفاع عائدات الصادرات.
- تراجع العجز التجاري مع الصين، وهو ما يدعم ميزان المدفوعات المصري.
- تعزيز قيمة الجنيه المصري على المدى المتوسط مع زيادة موارد العملة الصعبة.
- تنويع الأسواق التصديرية وتقليل الاعتماد على الأسواق التقليدية في أوروبا والعالم العربي.
- جذب استثمارات صناعية جديدة من الشركات الصينية والعالمية الراغبة في دخول السوق الإفريقية عبر البوابة المصرية.
وفي النهاية، يمثل إعفاء الصادرات المصرية إلى الصين من الرسوم الجمركية خطوة تتجاوز كونها اتفاقا اقتصاديا إلى كونها محورا جديدا في العلاقات الاستراتيجية بين القاهرة وبكين، فهو يفتح أمام مصر أبوابا أوسع للنفاذ إلى أحد أكبر الأسواق العالمية، ويمنحها فرصة لإعادة تموضعها في سلاسل القيمة العالمية، ويضعها على طريق جديد من التكامل الصناعي والتجاري.
