تدفقات بمليارات الدولارات.. كيف تستفيد مصر من إعمار غزة؟
مع دخول وقف إطلاق النار في قطاع غزة حيز التنفيذ، تتحول الأنظار نحو القاهرة التي تستعد لقيادة واحدة من أكبر عمليات إعادة الإعمار في تاريخ المنطقة الحديثة الا وهي "إعمار غزة".
فالمشروع المصري لإعادة إعمار غزة، الذي أعلنت عنه الحكومة في مارس الماضي بتكلفة تقدر بنحو 53 مليار دولار، لم يعد مجرد خطة إنسانية لإنقاذ ما تبقى من القطاع، بل أصبح فرصة اقتصادية واستراتيجية كبرى لمصر يمكن أن تغيّر خريطة الاستثمار في الشرق الأوسط.
التأثير الاقتصادي على مصر من مشروع إعمار غزة
لا تقتصر أهمية خطة إعادة إعمار غزة على إعادة الحياة والبنية الأساسية لسكان غزة الذين أنهكتهم الحرب، بل تمتد إلى خلق سوق إقليمية ضخمة تقدر بمليارات الدولارات، فالمشروع الذي يحظى بدعم عربي ودولي واسع، سيحول القطاع إلى ورشة عمل كبرى، تشارك فيها شركات المقاولات المصرية ومصانع مواد البناء باعتبارها الأطراف الأكثر جاهزية وقربا، ما يمنح الاقتصاد المصري دفعة قوية من حيث التشغيل والصادرات والنفوذ الاقتصادي في المنطقة.
خطة مصر لإعمار غزة
تنقسم خطة مصر لإعمار غزة إلى مرحلتين واضحتين من حيث الزمن والأهداف، المرحلة الأولى تتضمن التعافي المبكر، تستمر لمدة ستة أشهر، وتركز على إزالة نحو 50 مليون طن من الركام الناتج عن الدمار الهائل، إلى جانب تركيب مساكن مؤقتة للعائلات النازحة، وترميم أكثر من 60 ألف وحدة سكنية تضررت جزئيا، تمهيدا لعودة الحياة تدريجيًا إلى المناطق المأهولة.
أما المرحلة الثانية تتمثل إعادة البناء الشامل، وتمتد لخمس سنوات، وتشمل بناء 200 ألف وحدة سكنية جديدة تستوعب ما يقرب من 1.6 مليون مواطن، إلى جانب إنشاء مطار وميناء تجاري ومناطق صناعية وفنادق ساحلية، بما يحول غزة إلى مركز اقتصادي وتجاري واعد على ضفاف المتوسط.
مكاسب مباشرة لقطاع المقاولات والصناعة المصرية
يؤكد خبراء اقتصاديون أن الشركات المصرية ستكون المستفيد الأكبر من هذه العملية التاريخية، ليس فقط عبر عقود الإعمار المباشرة، بل أيضا من خلال زيادة الطلب على مواد البناء والخدمات اللوجستية والطاقة، هذا الزخم المتوقع سيؤدي إلى انتعاش قطاع المقاولات المصري ورفع معدلات التشغيل، كما سيجذب الاستثمار الأجنبي الراغب في الدخول إلى سوق إقليمية متنامية تديرها القاهرة بخبرة واسعة.
تأثير الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
وتظهر الأرقام التي خلفتها الحرب على غزة حجم الكارثة الإنسانية والاقتصادية، إذ تم تدمير أكثر من 400 ألف منزل، وأصبحت 98% من المستشفيات غير صالحة للعمل، فيما انكمش الاقتصاد المحلي بنسبة 83% وارتفعت الأسعار بنحو 300%.
ورغم هذه المؤشرات الصادمة، يرى المتابعون أن إعادة الإعمار تمثل وجها آخر للأمل، وفرصة حقيقية لتحويل هذا الدمار إلى انطلاقة جديدة تحقق مكاسب إنسانية واقتصادية في آن واحد.
انعكاسات مباشرة على الاقتصاد المصري وقناة السويس
لن تتوقف مكاسب مصر عند حدود الإعمار فقط، إذ يتوقع متخصصون أن ينعكس النشاط التجاري والإنشائي المرتبط بغزة إيجابيًا على إيرادات قناة السويس، التي خسرت - بحسب تقديرات رسمية - نحو 9 مليارات دولار خلال العامين الماضيين بسبب الصراعات في البحر الأحمر وتراجع حركة التجارة العالمية، ومع استقرار الأوضاع وبدء تدفق البضائع ومواد البناء، يُتوقع أن تستعيد القناة جزءًا كبيرًا من عافيتها، مما يعزز موارد النقد الأجنبي ويدعم الميزان التجاري المصري.
في النهاية، تظهر خطة إعادة إعمار غزة أن مصر لا تتحرك فقط بدافع إنساني، بل برؤية استراتيجية متكاملة تجعلها مركزا إقليميا لإدارة مشروعات الإعمار والتنمية في الشرق الأوسط، فبينما يعاد بناء غزة حجرا حجرا، وتعيد القاهرة ترسيخ مكانتها كلاعب رئيسي في صياغة مستقبل المنطقة، جامعة بين الدور الإنساني والدبلوماسي والاقتصادي في معادلة واحدة تعيد رسم ملامح الشرق الأوسط الجديد.
