إنفيديا.. بين مطرقة واشنطن وسندان بكين في سباق الذكاء الاصطناعي العالمي

تقترب شركة إنفيديا (NVIDIA) الأمريكية، عملاق صناعة رقائق الذكاء الاصطناعي، من الوصول إلى قيمة سوقية تقترب من 5 تريليونات دولار، لتواصل تصدرها المشهد التكنولوجي العالمي مدفوعة بالطلب الهائل على معالجاتها في مراكز البيانات الضخمة التي تشغّل نماذج الذكاء الاصطناعي لدى شركات مثل أوبن إيه آي (OpenAI).
لكن هذا الصعود المذهل وضع الشركة في قلب صراع جيوسياسي وتجاري محتدم بين الولايات المتحدة والصين، بعدما أصبحت الرقائق التي تنتجها إنفيديا سلاحًا استراتيجيًا في معركة السيطرة على الذكاء الاصطناعي العالمي.
قيود جمركية وتصعيد سياسي
أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في أبريل الماضي موجة جديدة من الرسوم الجمركية على الصين شملت تقييد وصولها إلى رقائق إنفيديا المتطورة من طراز H20، وهو ما أثار غضب بكين التي ردت بفرض قيود على استيراد الرقائق الأمريكية ومكونات التكنولوجيا الحساسة.
وفي أغسطس، وافقت إدارة البيت الأبيض على صفقة مشروطة تسمح لكل من إنفيديا وإيه إم دي (AMD) ببيع الرقائق إلى الصين، مقابل تخصيص 15% من إيرادات المبيعات لصالح الخزانة الأمريكية.
إلا أن هذه الخطوة لم تُنهِ التوتر، إذ عاد ترامب مؤخرًا للتلويح بفرض رسوم بنسبة 100% على الواردات الصينية اعتبارًا من نوفمبر، مما يعيد إشعال الحرب التجارية بين القوتين الاقتصاديتين.
جنسن هوانج.. من تايوان إلى قمة وول ستريت
يقف خلف قصة نجاح إنفيديا مؤسسها جنسن هوانج، المولود في تايوان عام 1962، والذي يُعد أحد أبرز رموز وادي السيليكون.
أسس هوانج شركته عام 1993 بعد عمله في تصميم المعالجات لدى AMD، ليقودها خلال ثلاثة عقود إلى التحول من شركة ناشئة صغيرة إلى عملاق عالمي يهيمن على صناعة الذكاء الاصطناعي.
وبحسب مؤشر بلومبيرغ للمليارديرات، تبلغ ثروة هوانج نحو 167 مليار دولار، فيما يُنظر إليه في تايوان كبطل وطني ورمز للتفوق التكنولوجي الآسيوي في الولايات المتحدة.
السباق على الذكاء الاصطناعي
تُعتبر إنفيديا العمود الفقري لتطوير نماذج الذكاء الاصطناعي في العالم، إذ تعتمد كبرى الشركات التقنية على معالجاتها الرسومية لتشغيل أنظمة مثل ChatGPT وClaude وGemini.
وفي سبتمبر الماضي، أعلنت الشركة عن استثمار ضخم بقيمة 100 مليار دولار في شركة أوبن إيه آي لتزويدها بمعالجات بدءًا من عام 2026، في خطوة تعزز شراكتها مع مطوري الذكاء الاصطناعي الأمريكيين.
لكن المنافسة بدأت تحتدم، بعدما كشفت أوبن إيه آي عن اعتمادها جزئيًا على رقائق AMD بقوة 6 غيغاواط، ما يعكس تحولًا تدريجيًا في موازين القوى داخل سوق الرقائق.
الأمن القومي والتقنيات الحساسة
يؤكد محللون أن قضية إنفيديا تتجاوز الجانب الاقتصادي لتصبح مسألة أمن قومي أمريكي، إذ تسعى واشنطن إلى منع بكين من الوصول إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي المتقدمة التي يمكن أن تُستخدم في أغراض عسكرية أو استخباراتية.
وفي المقابل، يحذر خبراء من أن هذه القيود قد تدفع الصين إلى تسريع تطوير بدائل محلية، وهو ما قد يقلب موازين القوى التقنية في المستقبل القريب.
وفي هذا السياق، ظهرت اتهامات لشركة سنغافورية تُدعى ميغا سبيد (MegaSpeed) بالمساعدة في التحايل على القيود الأمريكية عبر وسطاء يستخدمون تكنولوجيا إنفيديا، وهي مزاعم نفتها الشركة الأمريكية مؤكدة تعاونها الكامل مع السلطات للتحقق من الالتزام بالقوانين.
نموذج ديب سيك.. إنذار لوادي السيليكون
أحدث نموذج الذكاء الاصطناعي الصيني المعروف باسم ديب سيك (DeepSeek) صدمة في وادي السيليكون مطلع العام الجاري، بعد أن أظهر تفوقًا تقنيًا مفاجئًا، يُعتقد أنه اعتمد جزئيًا على رقائق إنفيديا.
هذا الإنجاز دفع الولايات المتحدة إلى تشديد الرقابة على تصدير الرقائق المتقدمة، خوفًا من أن يتحول السباق التكنولوجي إلى تفوق صيني محتمل في الذكاء الاصطناعي.
مستقبل غامض
يرى محللون أن الصراع بين واشنطن وبكين حول إنفيديا لا يزال مفتوحًا على كل الاحتمالات، إذ تحاول الصين استغلال "ورقة الرقائق" كورقة ضغط في المفاوضات التجارية، فيما تراهن الولايات المتحدة على إبقاء المطورين الصينيين معتمدين على التكنولوجيا الأمريكية.
وبين هذين الاتجاهين، تجد إنفيديا نفسها عالقة بين كونها رمزًا للابتكار التكنولوجي العالمي وبين كونها ضحية لصراعات سياسية واقتصادية تتجاوز حدود الأسواق.