الحكومة هي المستفيدة.. ليه الدولة أجلت زيادة أسعار الكهرباء؟
أعاد قرار الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء، بتأجيل الزيادة المقررة على أسعار الكهرباء، صياغة المشهد الاقتصادي في مصر خلال الأسابيع المقبلة، بعدما كان من المنتظر أن تدخل الجداول الجديدة لشرائح الاستهلاك حيز التنفيذ مع بداية أكتوبر.
قرار تأجيل زيادة أسعار الكهرباء لم يكن مجرد استجابة ظرفية، بل اختيار محسوب يعكس إدراك الحكومة لحساسية اللحظة الاقتصادية الراهنة، وما قد يترتب على أي زيادة في أسعار الطاقة من تداعيات مباشرة على التضخم ومعيشة المواطن.
لماذا أجلت الحكومة زيادة أسعار الكهرباء؟
وفي تفسير لما حدث، أكد محللون أن الحكومة نظرت إلى ما هو أبعد من مجرد تعظيم إيرادات آنية من رفع أسعار الكهرباء، لتضع في الاعتبار أن هذه الخطوة، لو نفذت، كانت ستصطدم بتراجع ملموس في معدلات التضخم الذي هبط إلى 12% في أغسطس، وهو رقم يراه صناع القرار مكسبا لا يجب التفريط فيه.
وأشار المحللون أن الزيادات المقررة في أسعار الكهرباء، لم تكن لتقف عند حدود فواتير الكهرباء، بل كانت ستنعكس على سلاسل الإنتاج والتوزيع والنقل، لتعيد إشعال موجة تضخمية جديدة تهدد استقرار السوق وتضعف القوة الشرائية للمواطن.
وأوضح المحللون أن هذا القرار يمنح البنك المركزي متنفسا أكبر لمواصلة دورة خفض أسعار الفائدة، ومع بقاء ثلاثة اجتماعات للجنة السياسات النقدية حتى نهاية العام، فإن الإبقاء على أسعار الكهرباء دون تعديل يُسهم في استمرار هبوط التضخم، وبالتالي يفتح المجال أمام المركزي لتعزيز التيسير النقدي، وهو ما يترجم إلى تراجع تكلفة الاقتراض على الحكومة والقطاع الخاص معًا.
وقال المحللون أن الحسابات الأولية توضح أن الوفورات المتحققة من خفض الفائدة على الموازنة العامة تفوق بكثير ما كان يمكن أن تجنيه الدولة من زيادة أسعار الكهرباء.
الأرقام تكشف الفجوة بين التكلفة والدعم الكهرباء
تتحمل موازنة الدولة خلال العام الجاري دعما للكهرباء يقدر بـ 75 مليار جنيه، في وقت تبلغ فيه التكلفة الحقيقية لإنتاج الكيلووات ساعة نحو 257 قرشًا، بينما يحصل المستهلك على الخدمة بسعر يتراوح بين 68 قرشا للشريحة الدنيا و223 قرشا للشريحة الأعلى.
ورغم هذه الفجوة الكبيرة بين التكلفة وسعر البيع، فإن الحكومة اختارت في هذه المرحلة منح الأولوية للحفاظ على الاستقرار النقدي، باعتباره أكثر جدوى للاقتصاد من تحصيل فارق الأسعار عبر زيادة الفواتير.
من المستفيد من تأجيل زيادة أسعار الكهرباء؟
المواطن المصري هو المستفيد الأول من القرار، إذ لن يتحمل عبئا إضافيا في وقت حساس تتداخل فيه التحديات المعيشية مع ضغوط الأسواق العالمية، لكن المستفيد الثاني هو الاقتصاد نفسه، الذي يجد في هذا التوجه الحكومي وسيلة لحماية معدلات النمو من التباطؤ، وإتاحة بيئة أكثر جاذبية للاستثمار، فضلا عن تعزيز فرص ضبط الدين العام عبر تقليص تكلفة الفائدة.
قرار تأجيل زيادة أسعار الكهرباء يبرهن أن الحكومة تتحرك وفق مقاربة متوازنة، بين حماية المواطن من الأعباء المباشرة من جهة، وفي الوقت نفسه إدارة الاقتصاد بعقلانية تحافظ على مكتسبات انخفاض التضخم وتمنح السياسة النقدية مجالا لمزيد من المرونة من جهة أخرى، وهي بمثابة رسالة طمأنة للأسواق والمجتمع على السواء.
شرائح أسعار الكهرباء الحالية في مصر 2025
وتأتي شرائح أسعار الكهرباء الحالية في مصر على النحو التالي:
- الشريحة الأولى: من 0 إلى 50 كيلووات ساعة — 68 قرشا.
- الشريحة الثانية: من 51 إلى 100 كيلووات ساعة — 78 قرشا.
- الشريحة الثالثة: من 0 إلى 200 كيلووات ساعة — 95 قرشا.
- الشريحة الرابعة: من 201 إلى 350 كيلووات ساعة — 1.55 جنيه.
- الشريحة الخامسة: من 351 إلى 650 كيلووات ساعة — 1.95 جنيه.
- الشريحة السادسة: من 651 إلى 1000 كيلووات ساعة — 2.10 جنيه (مع خصم 378 جنيهًا فرق شرائح عند تجاوز 650 كيلووات).
- الشريحة السابعة: أكثر من 1000 كيلووات ساعة — 2.23 جنيه.
وكانت الحكومة قد أقرت أخر زيادة في أسعار الكهرباء، في سبتمبر 2024، تراوحت نسبتها بين 14% و50% للاستهلاك المنزلي، وبلغت نحو 24% للأنشطة التجارية، وجاءت هذه الخطوة ضمن خطة مرحلية تمتد لعدة سنوات، تستهدف رفع الدعم تدريجيا، بما يضمن استدامة تمويل مشروعات الكهرباء، وتحسين جودة الخدمة، مع الحفاظ على برامج الحماية الاجتماعية التي تدعم الفئات الأقل دخلا.
