الأربعاء 27 أغسطس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

شكاوى خدمة ما بعد البيع.. هل فقدت شركة العربي بوصلتها بعد رحيل المؤسس؟

الأربعاء 27/أغسطس/2025 - 03:42 ص
شكاوى خدمة ما بعد
شكاوى خدمة ما بعد البيع من شركة العربي جروب

تبنى سمعة الشركات الكبرى على مدار عقود طويلة من الالتزام والعمل الجاد، لكنها قد تتعرض للاهتزاز سريعا إذا ما تبدلت الأولويات وتغيرت السياسات، هذا ما حدث مع شركة العربي جروب، التي أسسها الراحل محمود العربي عام 1964، والتي كانت على مدار عقود ركيزة للجودة ومثالا للالتزام بخدمة العملاء في مصر والعالم العربي. 

تحت قيادة محمود العربي، الذي رحل عن عالمنا في سبتمبر 2021 عن عمر ناهز 89 عاما، ارتبط اسم الشركة دائما بالنزاهة والالتزام الاجتماعي، حتى لقب بـ"شهبندر التجار"، فقد كان العربي يؤمن بأن "التجارة مع الله" تتحقق برضا العملاء وجودة الخدمة، فارتبطت شركته لعقود بالثقة والسمعة الطيبة، وبلغ عدد موظفيها نحو 40 ألف عامل، مع خطط طموحة للوصول إلى 200 ألف.

“العربي”.. رحلة بدأت بـ 40 قرشا

بدأ محمود العربي مشواره برأسمال ضئيل لم يتجاوز 40 قرشا حين كان طفلا يعمل في متجر شقيقه، لكنه نجح عام 1974 في الحصول على توكيل توشيبا اليابانية، وأسس في 1982 مجمعا صناعيا في بنها لتصنيع الأجهزة محليا، مما وفر فرص عمل وأسهم في الاقتصاد المصري.

كان جزءًا اصلا من فلسفة العربي الجروب هو الاهتمام بخدمات ما بعد البيع، والاستجابة السريعة لشكاوى العملاء، معتبرا أن رضا المستهلك هو أساس استمرارية التجارة، كما أنه عرف بمشاركته في مشروعات خيرية ومجتمعية واسعة.

هل فقدت شركة العربي بوصلتها بعد رحيل المؤسس؟

رحيل محمود العربي بداية تدهور الإمبراطورية الصناعية 

بعد وفاته، تولى أبناؤه الإدارة في ظل ظروف اقتصادية صعبة عالميًا، مثل ارتفاع تكاليف الإنتاج والمنافسة القوية مع المنتجات الصينية، مع غياب المؤسس، تعالت أصوات متزايدة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تنتقد تراجع خدمات ما بعد البيع، وتتهم الشركة بالتركيز على الأرباح والمبيعات أكثر من الحفاظ على الجودة والسمعة التي بنيت على مدار ستة عقود.

وتحولت الأولوية من الاهتمام بالعميل والبحث عن رضاؤه، إلى التوسع التجاري وزيادة الإيرادات، التي بلغت نحو مليار دولار بحلول 2021، وجاء ءلك على حساب الالتزام التاريخي بجودة الصيانة وخدمة العملاء لاسيما بعد البيع.

غضب جماعي على السوشيال ميديا: متشتريش من العربي 

الغضب من سوء الخدمات تغلغل إلى صفحات السوشيال ميديا، فقد تحولت منصة فيسبوك خلال الأعوام الأخيرة إلى المرآة الأوضح لقياس مستوى رضا عملاء شركة العربي، لكن هذه المرآة لم تعكس صورة مشرقة كما في السابق، بل أظهرت موجة واسعة من الاستياء، فقد تزايدت خلال عامي 2024 و2025 المجموعات التي تحمل أسماء صريحة مثل "لا تشتري من هنا" و"جروب متضرري شركة توشيبا العربي"، والتي اجتمع فيها عملاء كثر لعرض تجاربهم السلبية مع خدمات ما بعد البيع.

جروب متضرري شركة توشيبا العربي على فيس بوك

القصص التي تسرد هناك تكشف عن نمط متكرر يصعب تجاهله، فقد تحدث أحد العملاء عن شرائه شفاطا بقيمة 9 آلاف جنيه، ليكتشف أن قوة الشفط فيه ضعيفة بشكل ملحوظ، وعندما تواصل مع خدمة الصيانة جاءه الرد بأن الجهاز يحتاج إلى محرك جديد، دون تقديم حل سريع أو بديل مؤقت.

شكوى من خدمات ما بعد البيع من أحد رواد السوشيال ميديا شركة العربي جروبي

المشهد يتكرر مع أجهزة أخرى، ففي واحدة من أبرز الشكاوى، كتب أحد الأعضاء أن أسرته اشترت ثلاجة تورنيدو نو فروست من شركة العربي عام 2022، ومنذ البداية يعاني الفريزر من عيوب في التجميد، ما بين عدم التجميد أو تكوين كتل ثلج، ورغم تكرار طلبات الصيانة على مدار ثلاث سنوات، لم تُحل المشكلة، واكتفى الفنيون بتبريرات غير منطقية، بل تسبب أحدهم في كسر باب الثلاجة، كما أن خدمة العملاء لم تلتزم بالمتابعة أو الحلول التي وعدت بها.

وبسبب استمرار العطل تعرضت الأسرة لخسائر مادية نتيجة فساد الأطعمة، ورغم أن الضمان 10 سنوات، لم تقم الشركة بالإصلاح الجذري أو الاستبدال، وتطالب الأسرة الآن بحل نهائي من خلال الإصلاح الكامل أو الاستبدال مع التعويض عن الأضرار.

شكوى من خدمات ما بعد البيع من أحد رواد السوشيال ميديا شركة العربي جروبي

الأكثر لفتًا للانتباه أن الشكاوى لم تقتصر على الأجهزة المنزلية الصغيرة، بل امتدت إلى أجهزة التكييف التي تعد من المنتجات الأكثر حساسية للمستهلك، ففي أغسطس 2025، عبر عميل عن استيائه بقوله: “أسوأ خدمة العربي... الجهاز يزور الفنيين خمس مرات في الشهر دون أن يصلح، وخدمة العملاء لا ترد”.

شكوى من خدمات ما بعد البيع من أحد رواد السوشيال ميديا شركة العربي جروبي

هذا النوع من الشكاوى المتكررة، مع تنوع الأجهزة التي يشملها، يعكس أن الأزمة ليست مجرد حوادث فردية، بل مشكلة أعمق في هيكل خدمات ما بعد البيع، فقد امتدت حالة الغض إلى منصة X، فبينما كانت الشركة تتباهى في الماضي بتغريدات تشيد بخدمة عملائها، تغير المشهد تماما بعد رحيل محمود العربي، حيث تصدرت هاشتاجات مثل #شكاوى_العربي و#توشيبا_العربي لتتحول إلى قنوات مفتوحة للتعبير عن حالة الإحباط التي أصابت العديد من عملاء شركة العربي جروب بسبب سوء الخدمة المقدمة في السنوات الأخيرة.

محاولات لاحتواء غضب العملاء

خبراء اقتصاديون يرون أن الضغوط العالمية بعد جائحة كورونا – من ارتفاع الأسعار وتكاليف الإنتاج – دفعت شركات عديدة إلى تقليص النفقات الموجهة لخدمات ما بعد البيع. لكن في حالة العربي، يبدو أن هذه السياسة انعكست بشكل مباشر على رضا المستهلك، الذي يكرر اتهامات بـ"الاستخفاف بالعميل".

ورغم محاولات الشركة لاحتواء الأزمة، مثل منشور رسمي في أبريل 2025 على فيسبوك جاء فيه: "العربي دايمًا معاك! بنطور في خدمات ما بعد البيع علشان نضمن راحتك وثقتك... تواصل معنا عبر الواتساب"، إلا أن هذه الجهود بدت محدودة أمام سيل الانتقادات.

بيان سابق العربي جروب يؤكد فيه على اهتمامه بخدمات ما بعد البيع 

وتظهر الشكاوى المتزايدة أن شركة العربي تقف اليوم أمام اختبار حقيقي بين الحفاظ على الإرث الذي بناه المؤسس محمود العربي، أو الاستسلام لموجة الانتقادات التي قد تضعف سمعتها التاريخية، ففقدان السمعة في عالم الأعمال ليس مجرد خسارة معنوية، بل تكلفة قد تفوق أي أرباح قصيرة الأجل، وإذا أرادت الشركة استعادة مكانتها كرمز للجودة والالتزام، فعليها العودة إلى الجذور التي وضعها محمود العربي وهي: “الصدق مع العملاء، سرعة الاستجابة، وجودة الخدمة”.