الخير جاي.. مصر تطلق مناقصة عالمية لكشف أسرار الغاز في المتوسط

تتحرك مصر بخطى واثقة نحو استغلال ثرواتها الطبيعية الهائلة، وعبارة "الخير جاي" لم تعد مجرد شعار تفاؤلي، بل واقعًا ملموسًا يتجسد في إطلاق وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية مناقصة عالمية جديدة لمسح احتياطيات الغاز الطبيعي في شرق البحر المتوسط.
وهذه الخطوة الاستراتيجية ليست مجرد مشروع استكشافي، بل رؤية طموحة تهدف إلى تعزيز مكانة مصر كمركز إقليمي للطاقة، وتأمين احتياجات السوق المحلي، واستعادة القدرة على تصدير الغاز.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض تفاصيل هذه المناقصة، أهميتها الاقتصادية، وتأثيرها المستقبلي على مصر والمنطقة.
خطوة استكشافية بتقنيات عالمية
وأعلنت وزارة البترول والثروة المعدنية، عن طرح مناقصة عالمية تستهدف الشركات المتخصصة في المسح السيزمي لتغطية مساحة تقدر بنحو 100 ألف كيلومتر مربع في منطقة شرق البحر المتوسط.
والهدف الأساسي هو تقييم احتياطيات الغاز الطبيعي في هذه المنطقة الواعدة باستخدام أحدث التقنيات، مما يعزز فرص اكتشاف حقول جديدة تضاهي أو تفوق حقل "ظهر" العملاق، الذي يعد أكبر حقل غاز في المتوسط باحتياطيات تصل إلى 30 تريليون قدم مكعب.
والمناقصة، التي أطلقتها الشركة المصرية القابضة للغازات الطبيعية (إيجاس)، تتيح للشركات العالمية فرصة جمع بيانات دقيقة يمكن بيعها لاحقًا لشركات التنقيب، دون أن تتحمل مصر تكاليف المسح السيزمي.
وهذا النموذج الذكي يعكس استراتيجية مصر في جذب الاستثمارات الأجنبية مع تقليل الأعباء المالية على الدولة.
تعزيز الاكتفاء الذاتي ودعم الاقتصاد
وتأتي هذه المناقصة في وقت حاسم، حيث تسعى مصر لتلبية الطلب المحلي المتزايد على الغاز الطبيعي، الذي يشكل المصدر الرئيسي لتوليد الكهرباء بنسبة 58% من إجمالي الاستهلاك السنوي البالغ 2.2 تريليون قدم مكعب.
وإضافة إلى ذلك، تهدف مصر إلى استعادة مكانتها كمصدر للغاز الطبيعي في الأسواق العالمية بعد توقف التصدير في السنوات الماضية بسبب الطلب المحلي المتزايد.
ومنطقة شرق البحر المتوسط تمثل 62% من إنتاج الغاز الطبيعي في مصر، مما يجعلها العمود الفقري لقطاع الطاقة.

واكتشافات جديدة في هذه المنطقة قد تضيف احتياطيات تقدر بـ2.2 تريليون قدم مكعب خلال العام المالي 2025-2026، مما يعزز الأمن الطاقي ويقلل الاعتماد على الاستيراد، الذي بلغ 337 مليار قدم مكعب في العام الماضي.
على الصعيد الاقتصادي، تسهم هذه المناقصة في جذب استثمارات أجنبية كبيرة، ففي العام المالي 2023/2024، وقعت مصر 11 اتفاقية مع شركات عالمية بقيمة 925 مليون دولار، وأسفرت عن اكتشافات أضافت 1.3 تريليون قدم مكعب من الغاز و30 مليون برميل من الزيت والمتكثفات، وهذه الأرقام تعكس الإمكانات الهائلة التي يمكن أن تحققها المناقصة الجديدة.
دور الشركات العالمية
وتشارك في هذه المناقصة كبرى الشركات العالمية مثل "إيني" الإيطالية، التي تدير حقل "ظهر"، و"بي بي" البريطانية، و"إكسون موبيل"، و"توتال إنيرجيز"، و"شيفرون"، وهذه الشركات أبدت اهتمامًا كبيرًا بمناطق الامتياز في البحر المتوسط، حيث وقعت "إيني" و"بي بي" مؤخرًا اتفاقية لاستكشاف منطقة امتياز تمساح، مع خطط لحفر بئر استكشافي خلال الأشهر المقبلة.
كما أن شركة "إكسون موبيل" أكملت حفر بئر "نفرتاري" في منطقة شمال مراقيا، وهي منطقة جديدة لم يسبق العمل فيها، مما يعكس الثقة المتزايدة في إمكانات مصر البترولية، وهذه الشراكات تعزز من نقل التكنولوجيا والخبرات إلى مصر، مما يدعم القدرات المحلية في قطاع الطاقة.
توقعات باحتياطات ضخمة
والتوقعات إيجابية، حيث تشير تقديرات هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية إلى أن احتياطيات الغاز القابلة للاستخراج في شرق المتوسط قد تصل إلى 411 تريليون قدم مكعب، مما يجعل المنطقة مركزًا عالميًا للطاقة.
ومصر، بفضل موقعها الاستراتيجي وسجلها الحافل بالاكتشافات، في وضع قوي للاستفادة من هذه الثروة.
ومناقصة مسح احتياطيات الغاز في البحر المتوسط ليست مجرد مشروع اقتصادي، بل خطوة تاريخية تعزز من مكانة مصر كقوة إقليمية في قطاع الطاقة، ومع الاستثمارات المتوقعة، والشراكات العالمية، والتقنيات المتقدمة، يبدو أن "الخير جاي" ليس مجرد وعد، بل واقع يتشكل يومًا بعد يوم.