متى يستقر سعر صرف الجنيه المصري أمام الدولار الأمريكي؟.. خبير يرسم خطة الاستقرار

تظل مسألة استقرار سعر الدولار في مصر واحدة من أكثر القضايا الاقتصادية إلحاحًا، في ظل تقلبات السوق العالمي، وتزايد التحديات المرتبطة بتدفقات النقد الأجنبي، وبالرغم كل الإجراءات التي اتخذت في السنوات الأخيرة لضبط سوق الصرف، لا يزال المواطن المصري يطرح السؤال نفسه: متى يستقر سعر الدولار؟، ومتى تتراجع أسعار السلع والخدمات والاستثمارات؟
وفي هذا السياق، حدد الخبير الاقتصادي أحمد خطاب مجموعة من الشروط الجوهرية التي يرى أنها تعد مفتاحا رئيسيا لتحقيق استقرار دائم لسعر الدولار أمام الجنيه، مشيرًا إلى أن الحل لا يكمن في المسكنات، وإنما في إصلاحات جذرية ومستدامة تشمل الصادرات والاستثمار والإنتاج المحلي وموارد النقد الأجنبي.
متى يستقر سعر الدولار في مصر؟
وأكد الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة لـ بانكير، أن استقرار سعر صرف الدولار في السوق المصرية لن يتحقق بشكل عشوائي أو لحظي، بل يتطلب منظومة إصلاحات اقتصادية متكاملة ومترابطة، تبدأ من الداخل وتنتهي عند الخارج، مشيرًا إلى أن هناك عدة محاور رئيسية إذا ما تم العمل عليها بشكل جاد، فستؤدي إما إلى خفض سعر الدولار أو على الأقل تثبيته ضمن نطاق مستقر ومتوازن.

وقال خطاب إن نقطة البداية الحقيقية نحو استقرار سوق الصرف تكمن في إعادة ضبط ميزان الصادرات والواردات، موضحا أن اتساع الفجوة بين الاثنين يخلق ضغطا مباشرا على الطلب على الدولار، خاصة في ظل اعتماد مصر طويلا على الاستيراد لتوفير مستلزمات أساسية.
وأضاف: "كلما ارتفع حجم الصادرات المصرية مقابل تراجع الواردات، تراجع الضغط على العملة الأجنبية، وتوفرت سيولة دولارية كافية لتلبية الاحتياجات الأساسية، وهو ما يسهم في تهدئة السوق وتقليل التقلبات".
الثقة في المنتج المحلي
وشدد خطاب على أن تعميق التصنيع المحلي وتحقيق الاكتفاء الذاتي من السلع الوسيطة والنهائية يعد من أهم مفاتيح استقرار العملة، موضحا أن استمرار الاعتماد على الخارج في توفير المنتجات غير الضرورية يثقل كاهل الاقتصاد ويزيد الطلب على الدولار.
وتابع: "عندما يتحول المواطن المصري إلى المنتج المحلي ويثق بجودته، تقل الحاجة للاستيراد، وبالتالي يقل الضغط على الدولار، فهذه ضرورة ملحة وليست مسألة رفاهية، بل مسألة بقاء اقتصادي".

الغطاء الذهبي.. دعم جوهري للجنيه
وأشار خطاب إلى أهمية تعزيز الغطاء الذهبي للجنيه المصري داخل البنك المركزي، معتبرا أن الذهب لا يمثل فقط عنصر أمان نقدي، بل يمنح الجنيه صلابة أمام تقلبات الأسواق العالمية، ويعزز ثقة المستثمرين في قدرة الدولة على حماية عملتها.
وربط خطاب بين استقرار الدولار وتحقيق معدلات نمو حقيقية تنعكس على دخل المواطن المصري، مؤكدا أن أي نمو لا ينعكس على القدرة الشرائية للأسر لن يكون له تأثير فعلي على استقرار السوق.
وأوضح أن زيادة دخل الأسرة تقلل من اعتمادها على الاقتراض أو على مدخرات بالدولار، كما تسهم في تقوية السوق الداخلية، ما يقلل من الطلب على السلع المستوردة.
الموارد الدولارية المستدامة
وفيما يتعلق بمصادر الدولة من العملة الصعبة، شدد خطاب على ضرورة الاستثمار بقوة في الموارد الدولارية المستدامة، مثل قناة السويس والمنطقة الاقتصادية التابعة لها، باعتبارها أحد أهم الروافد المستقرة للعملة الأجنبية.
كما أشار إلى أن تحويلات المصريين بالخارج تمثل عاملا فارقا في دعم الاقتصاد، موضحا أن ارتفاعها الأخير لأكثر من 32 مليار دولار سنويا لم يكن صدفة، بل جاء نتيجة حزم استثمارية وادخارية مشجعة قدمتها الدولة، مكنت آلاف المغتربين من تحويل مدخراتهم إلى الداخل بثقة وأمان.
وأضاف: "ما نحتاج إليه الآن هو مواصلة تقديم أدوات استثمار مرنة وجذابة للمصريين في الخارج، تربطهم اقتصاديا بالوطن، وتحفزهم على ضخ المزيد من العملة الصعبة في شرايين الاقتصاد".

وضع خطط استثمارية بعيدة المدى
وفي ختام تحليله، أشار خطاب إلى أن الاستثمار الأجنبي لن يتدفق بقوة إلا إذا استقرت الجبهات السياسية والعسكرية عالميا، معتبرا أن استمرار التوترات، مثل الحرب الروسية الأوكرانية والعدوان على غزة، يفرض على الدول المستوردة – مثل مصر – التروي في التوسع في المشروعات التي تعتمد على استيراد المعدات أو الماكينات التي تأتي من الخارج.
وأكد ضرورة التركيز على المشروعات الإنتاجية ذات القيمة المضافة، مع وضع خطط استثمارية بعيدة المدى تعتمد على سلاسل توريد مستقرة، تضمن تحقيق أرباح حقيقية وجذب مستثمرين لا يبحثون فقط عن العائد، بل أيضًا عن الاستقرار.
واختتم خطاب تصريحاته بالتأكيد على أن ضبط سوق الصرف واستقرار الدولار لا يرتبط بقرار واحد أو إجراء مؤقت، وإنما يتطلب مسارا طويلا من الإصلاح والتوازن الهيكلي، قائلا: "كلما اقتربنا من هذه المعادلة، كلما قلت التقلبات، وتراجع الدولار، أو على الأقل ثبت عند مستويات لا تشكل عبئا على المواطن أو الاقتصاد".