بين النمو والتضخم.. هل يخفض البنك المركزي الاحتياطي الإلزامي للبنوك لتحفيز السوق؟

في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الأسواق الناشئة، يبرز دور البنك المركزي كمحور أساسي في رسم ملامح السياسة النقدية التي تحافظ على التوازن بين تحفيز النمو الاقتصادي وضمان استقرار النظام المالي، وتثار تساؤلات حول مدى الحاجة إلى تخفيض نسبة الاحتياطي الإلزامي للبنوك، وهي السياسة التي تحدد النسبة المئوية من ودائع العملاء التي يتعين على البنوك الاحتفاظ بها لدى البنك المركزي.
وهذا الإجراء، الذي يعد أداة رئيسية في السياسة النقدية، يمكن أن يؤثر على السيولة المتاحة في السوق، وبالتالي على قدرة البنوك على تقديم القروض ودعم النشاط الاقتصادي.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض مدى الحاجة إلى هذا التخفيض، ونحلل تداعياته المحتملة على الاقتصاد المصري.
الوضع الحالي وارتفاع نسبة الاحتياطي الإلزامي
وتبلغ نسبة الاحتياطي الإلزامي في مصر حاليًا 18% للودائع بالعملة المحلية و14% للودائع بالعملة الأجنبية، وهذه النسب تعد مرتفعة نسبيًا مقارنة ببعض الأسواق الناشئة الأخرى، مما يحد من قدرة البنوك على استخدام جزء كبير من ودائعها في تقديم القروض أو الاستثمار في مشروعات تنموية.
والاحتياطي الإلزامي، الذي يعتبر أداة لضمان استقرار النظام المصرفي، يستخدم أيضًا للسيطرة على التضخم من خلال تقليل السيولة المتداولة في السوق، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل يمكن أن يؤدي خفض هذه النسبة إلى تحفيز الاقتصاد دون المساس بالاستقرار المالي؟
وجهات نظر الخبراء بين التحفيز والحذر
وتنقسم الآراء بين الخبراء الاقتصاديين حول هذه المسألة، من جهة يرى بعض المحللين أن خفض الاحتياطي الإلزامي قد يكون خطوة إيجابية لتعزيز السيولة في السوق، خاصة في ظل التحديات الاقتصادية مثل تباطؤ النمو وارتفاع تكاليف التمويل.

وعلى سبيل المثال، يمكن أن يؤدي تقليل النسبة إلى زيادة قدرة البنوك على منح القروض للشركات الصغيرة والمتوسطة، التي تعد عصب الاقتصاد المصري، مما يدعم النمو ويخلق فرص عمل جديدة، وهذا الإجراء قد يكون ضروريًا لمواجهة الضغوط التضخمية بشكل غير مباشر، حيث يعزز النمو الاقتصادي دون الحاجة إلى زيادة مباشرة في أسعار الفائدة.
من ناحية أخرى، يحذر خبراء آخرون من المخاطر المرتبطة بهذا التخفيض، ففي ظل التقلبات الاقتصادية العالمية قد يؤدي خفض الاحتياطي الإلزامي إلى زيادة السيولة بشكل مفرط، مما يغذي التضخم ويزيد الضغط على الجنيه المصري.
كما يشير بعض المحللين إلى أن النظام المصرفي المصري يحتاج إلى احتياطيات قوية لمواجهة أي صدمات خارجية، خاصة في ظل تقلبات أسعار العملات الأجنبية وتأثيرها على الاقتصاد.
التجربة العملية ودروس من الماضي
وتاريخيًا لجأ البنك المركزي المصري إلى تعديل نسبة الاحتياطي الإلزامي في أوقات الأزمات، وعلى سبيل المثال، خلال جائحة كورونا عام 2020، خفض البنك المركزي النسبة لدعم السيولة في السوق، مما ساهم في تخفيف الضغوط على القطاعات المتضررة.
ومع ذلك يرى محللون أن الوضع الحالي مختلف، حيث تتطلب التحديات الاقتصادية مزيجًا من السياسات النقدية والمالية المنسقة، وليس الاعتماد فقط على أداة واحدة مثل الاحتياطي الإلزامي.
قرار يتطلب دراسة متأنية
ويبقى قرار خفض الاحتياطي الإلزامي للبنوك قرارًا معقدًا يتطلب توازنًا دقيقًا بين تحفيز الاقتصاد والحفاظ على الاستقرار المالي، والبنك المركزي المصري، بقيادته الحالية، يواجه تحديًا في اتخاذ قرارات تعزز النمو دون تعريض الاقتصاد لمخاطر إضافية.