أسعار الأسمنت تشعل أزمة في سوق البناء.. والحكومة: خط إنتاج أو خروج من السوق

تفاقمت مؤخرًا أزمة في سوق الأسمنت في مصر، وسط شكاوى متصاعدة من ارتفاع الأسعار بشكل غير مبرر، رغم حالة الركود الواضحة في حركة البناء والمقاولات.
ووسط تراجع في حجم المعروض، وارتفاع وتيرة التصدير على حساب تلبية الطلب المحلي، لم تجد الحكومة بدًا من التدخل العاجل لإعادة هيكلة السوق وضبط توازنه، عبر حزمة قرارات حاسمة تستهدف إعادة تشغيل الطاقات الإنتاجية المعطلة، ومنع تصدير أي كميات من الأسمنت إلا بعد تحقيق الاكتفاء الداخلي.
19 شركة و225 مليار جنيه استثمارات.. لماذا الأزمة؟
تضم السوق المصرية حاليًا 19 شركة تعمل في قطاع الأسمنت، بإجمالي استثمارات تتجاوز 225 مليار جنيه، وبطاقة إنتاجية مرخصة تصل إلى 76 مليون طن سنويًا، وتُقدر الطاقة الفعلية بحوالي 75 مليون طن.
ورغم هذه الإمكانات الضخمة، لا يتجاوز حجم الاستهلاك المحلي 50 مليون طن، فيما بلغ الاستهلاك الفعلي العام الماضي نحو 47 مليون طن، مع تصدير ما يقرب من 20 مليون طن للخارج، ما أثار تساؤلات حول جدوى تعطل بعض خطوط الإنتاج مقابل تصاعد الأسعار في السوق المحلية.

قرارات عاجلة: تشغيل الخطوط أولًا.. والتصدير لاحقًا
وفي إطار هذه المعطيات، أصدر الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء للتنمية الصناعية ووزير الصناعة والنقل، تعليمات مباشرة لكافة مصانع الأسمنت بإعادة تشغيل جميع خطوط الإنتاج المتوقفة خلال مهلة لا تتجاوز 30 يومًا.
وشدد الوزير على أن هذا التحرك يمثل أولوية قصوى، ويأتي ضمن خطة شاملة لتحقيق التوازن بين العرض والطلب، وضمان استقرار أسعار الأسمنت في السوق المحلي، لاسيما في ظل تزايد الاحتياج مع توسع المشروعات القومية.
وأشار الوزير إلى أن تصدير الأسمنت لن يُسمح به إلا بعد تحقيق فائض إنتاجي فعلي، خاصة بعد أن قفزت صادرات الأسمنت بنسبة 155% خلال أول خمسة أشهر من العام الجاري، متجاوزة 4.6 مليون طن، بدعم من ارتفاع سعر الطن إلى 50 دولارًا مقارنة بـ40 دولارا في نفس الفترة من العام الماضي.
مراجعة شاملة والتخلص من نظام "الكوتة"
وتزامنًا مع القرار، أطلقت وزارة الصناعة حملة مراجعة موسعة، بالتنسيق مع الجهات المعنية، لمتابعة التزام الشركات بتشغيل كافة خطوطها المرخصة.
كما قررت الوزارة رسميًا إلغاء نظام "الكوتة" الذي كان يحدد حصصًا إنتاجية لبعض المصانع، ما فتح المجال أمام بعض الشركات للعبث بمنظومة أسعار الأسمنت في مصر.
ووفقًا لما أكدته شعبة الأسمنت بغرفة صناعة مواد البناء باتحاد الصناعات، فإن 9 خطوط إنتاج لا تزال متوقفة في عدد من المصانع، لأسباب تتراوح بين العوائق المالية، والخلل بين فائض الطاقة الإنتاجية مقارنة بحجم الطلب الفعلي، وهو ما جعل بعض الشركات تتجنب تشغيل الخطوط لاعتبارات اقتصادية.
قرار يقضي على الاحتكار ويعيد التنافسية
ورحبت شعبة مواد البناء باتحاد الغرف التجارية بحزمة قرارات وزارة الصناعة، ووصفتها بأنها خطوة في الاتجاه الصحيح لكسر الاحتكار وتحقيق انفراجة في الأسعار.
وقال أحمد الزيني، رئيس الشعبة، إن تشغيل الخطوط المتوقفة سيرفع حجم المعروض في السوق خلال فترة وجيزة، ما سيؤدي إلى تراجع الأسعار التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال الشهور الأخيرة رغم الركود في الطلب.
وأضاف الزيني، في تصريحات صحفية، أن القرارات تمثل ضربة استباقية لمحاولات بعض الشركات التلاعب بالسوق، مشيرًا إلى أن المواطن سيكون المستفيد الأول من عودة التوازن، وخلق تنافس حقيقي بين المنتجين.

ماذا تحتاج مصانع الأسمنت لتعمل بكامل طاقتها؟
من جانبه، أكد أحمد شيرين، رئيس شعبة الأسمنت بغرفة صناعة مواد البناء، أن القرار يعكس وعيًا حكوميا دقيقا بمتغيرات السوق، موضحًا أن بعض المصانع توقفت عن تشغيل بعض خطوطها بسبب ضغوط تمويلية، أو انخفاض الجدوى الاقتصادية للتشغيل الكامل في ظل الفائض الإنتاجي.
وأشار إلى أن الوزارة وعدت بدراسة كل حالة على حدة، وتقديم دعم فردي للمصانع المتعثرة، لافتا إلى أن السوق بدأ يشهد استقرارًا نسبيًا في الأسعار بعد فترة من التذبذب، وأن الشعبة لا تتدخل في التسعير ولكنها ترصد مؤشرات التوازن فقط.
اختتم شيرين تصريحاته بالإشارة إلى جهود تُبذل حاليًا بالتنسيق مع الحكومة لتحسين كفاءة الإنتاج، وخفض الانبعاثات الكربونية، وطرح منتجات جديدة من الأسمنت تتماشى مع التطورات الصناعية واحتياجات السوق المحلي، بما يسهم في تطوير القطاع وتحقيق الاستدامة البيئية والاقتصادية.
هل نشهد إنفراجة في أسعار الأسمنت؟
وبينما تتأهب المصانع لإعادة تشغيل الخطوط المتوقفة، وتتحرك الحكومة لفرض انضباط حقيقي في سوق الأسمنت، يبقى التساؤل قائمًا: هل تنجح هذه القرارات في إحداث انفراجة ملموسة في أسعار الأسمنت خلال الفترة القريبة؟ وهل تلتزم الشركات بتنفيذ التوجيهات في المهلة المحددة دون مماطلة أو تأخير؟.. أسئلة تفرض نفسها بقوة، والإجابة ستتضح خلال الأسابيع المقبلة مع اقتراب العد التنازلي لانتهاء المهلة.