السجاير هترفع.. كل ما تريد معرفته عن تعديلات ضريبة القيمة المضافة

في خطوة تجسد توجه الدولة نحو ترسيخ مبدأ العدالة الضريبية، أعلنت مصلحة الضرائب المصرية عن حزمة من التعديلات الجوهرية على ضريبة القيمة المضافة، تستهدف تصحيح التشوهات التاريخية في المنظومة، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، وتوسيع القاعدة الضريبية، بما يعزز قدرة الدولة على تمويل أولويات الإنفاق العام، خاصة في مجالات التنمية البشرية والبنية التحتية.
تفاصيل تعديلات ضريبة القيمة المضافة
هذه التعديلات، التي تمس قطاعات حيوية مثل المقاولات والعقارات، والأنشطة التجارية داخل المراكز التجارية، مرورًا بصناعة السجائر والمشروبات الكحولية، تعكس رؤية إصلاحية متكاملة لا تهدف فقط إلى تعظيم الحصيلة الضريبية، بل تسعى في الأساس إلى إعادة هيكلة العلاقة بين الدولة والأنشطة الاقتصادية على أسس أكثر شفافية، وكفاءة، وتكافؤًا.
وفي هذا التقرير من بانكير، نأخذكم في قراءة تحليلية شاملة تكشف كل ما تريد معرفته عن تعديلات ضريبة القيمة المضافة، وتأثيراتها المنتظرة على السوق والمواطنين والاقتصاد الوطني ككل.
مقاولات بلا أعباء إضافية

من أبرز ما حملته تعديلات ضريبة القيمة المضافة الجديدة، قرار إخضاع خدمات المقاولات للسعر العام لضريبة القيمة المضافة، وعلى عكس المخاوف المتداولة حول تأثير ذلك على أسعار العقارات، أوضحت مصلحة الضرائب أن هذا التعديل لن يؤدي إلى رفع التكلفة النهائية، بل قد يُفضي إلى خفضها فعليًا.
فالهيكل الحالي لتكلفة المقاولات يعتمد بنسبة كبيرة – تتجاوز 70% – على مدخلات خاضعة أصلًا للضريبة، مثل مواد البناء والخدمات التخصصية، ومع خضوع الخدمة ككل للسعر العام، يصبح من حق المقاول خصم ضريبة هذه المدخلات، وهو ما يُخفف عبء الضريبة المركبة، ويؤدي إلى تقليل الكلفة الإجمالية للخدمة دون تحميل المواطن أي أعباء جديدة.
إصلاح هيكلي يدعم التحول الرقمي
لا يقتصر تأثير تعديلات ضريبة القيمة المضافة على النواحي المحاسبية، بل يمتد إلى بُعد هيكلي أوسع يدعم جهود التحول الرقمي والدمج الاقتصادي.
ففي السابق، كانت ضريبة المدخلات تدخل ضمن وعاء حساب ضريبة المقاولات، مما يرفع القيمة النهائية المستحقة، أما الآن، وبعد التعديل، يتمكن المقاول من خصم هذه الضريبة بشكل مباشر، ما يُخفض العبء الضريبي ويدفع باتجاه التوسع في الأعمال.
كما يتيح التعديل للمقاولين استرداد الضريبة المدفوعة على الآلات والمعدات المستخدمة في النشاط، مما يحفز على التحديث والتطوير.
ومن زاوية أخرى، يُسهم هذا التحول في تقوية الرقابة الضريبية، حيث سيضطر المقاولون إلى المطالبة بفواتير رسمية من الموردين، وهو ما يؤدي إلى دمج مزيد من الكيانات في المنظومة الضريبية، ويكشف الحجم الحقيقي للتعاملات، ويُقلل من الاقتصاد الموازي.
توسيع نطاق الضريبة التجارية

ومن بين التعديلات اللافتة، فرض ضريبة بنسبة 1% من قيمة البيع أو الإيجار على الوحدات الإدارية ذات النشاط التجاري داخل المولات والمراكز التجارية.
التعديل لم يشمل جميع الوحدات الإدارية، بل اقتصر فقط على تلك التي تمارس أنشطة تجارية فعلية أو تتعامل بشكل مباشر مع الجمهور، بينما استثنى المكاتب الإدارية المغلقة أو الواقعة داخل مبانٍ سكنية، التي لا تتسم بالنشاط التجاري.
ويهدف هذا الإجراء إلى إرساء قدر أكبر من العدالة الضريبية، دون أن يشمل المواطنين أو الوحدات السكنية، فالمستهدف هنا هو الأنشطة التي تُحقق عوائد مالية واضحة، وبالتالي يجب أن تساهم بشكل منصف في الإيرادات العامة.
زيادة ضريبة السجائر ومحاصرة التهريب
في إطار التعديلات، قررت مصلحة الضرائب رفع قيمة الضريبة القطعية على السجائر بمقدار 50 قرشًا، وفتح وتوسيع الشرائح السعرية، بما يواكب المعطيات الجديدة في سوق التبغ.
التحريك الأخير، الذي يُعد الأول منذ عام 2023، يهدف إلى الحد من الاستهلاك حمايةً للصحة العامة، إلى جانب مكافحة تهريب السجائر، الذي أضر بالسوق الرسمي وأضعف قدرة الدولة على الرقابة والتحصيل.
وقد جاء القرار في ظل تعافي الإنتاج المحلي، الذي عاد ليغطي نحو 80% من الطاقة الإنتاجية، مما يمنح المصانع المحلية قدرة أكبر على مواجهة التهريب وضبط السوق، كما أن التعديل ينسجم مع توصيات منظمة الصحة العالمية، في إطار الالتزام الدولي بمعايير الحماية الصحية.
تعديل ضريبة المشروبات الكحولية

أما في ما يتعلق بالمشروبات الكحولية، فقد تم تعديل طريقة احتساب "ضريبة الجدول"، لتُصبح ضريبة قطعية ترتبط بنسبة الكحول في المشروب بدلاً من النسبة المئوية من سعر المنتج.
هذا التغيير جاء استجابة لرغبة أكثر من 90% من الشركات العاملة في القطاع، التي طالبت بنظام أكثر عدالة واستقرارًا، يساعد في تحسين جودة المنتجات، خاصة في القطاع السياحي.
ويُنتظر أن يُسهم هذا التعديل في تحسين تنافسية السوق السياحية المصرية، من خلال تقديم منتجات عالية الجودة بأسعار محسوبة، دون الإضرار بالصحة العامة، التي تظل هدفًا مركزيًا في سياسات الدولة الضريبية.
في المجمل، تعكس تعديلات ضريبة القيمة المضافة رؤية إصلاحية متكاملة تسعى إلى تحقيق معادلة دقيقة بين تعظيم الإيرادات العامة، وحماية الطبقات الاجتماعية، وتشجيع النمو الاقتصادي، ودمج الاقتصاد غير الرسمي، وهي خطوات تُمهّد الطريق لنظام ضريبي أكثر عدالة وشفافية واستدامة في السنوات المقبلة.