السبت 21 يونيو 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

محطات غاز روسية على الأراضي المصرية.. القاهرة تتحول إلى مركز إقليمي للطاقة

السبت 21/يونيو/2025 - 01:00 م
مشروع مصري روسي لإنشاء
مشروع مصري روسي لإنشاء محطات للغاز الطبيعي المسال

بين أزمة الطاقة العالمية وتغير خريطة النفوذ في أسواق الغاز، تتحرك روسيا بخطى واثقة نحو الجنوب، لتجد في مصر بوابة جديدة لا لتصريف فائضها من الغاز المسال فحسب، بل لإعادة تموضعها الاستراتيجي في قلب البحر المتوسط والقارة الأفريقية.

وفي المقابل، تبدو مصر، بثقلها الجغرافي وبنيتها التحتية المتطورة نسبيا، في أمس الحاجة إلى شركاء موثوقين قادرين على سد فجوة الطاقة المتصاعدة، لا سيما في ظل عجز الإنتاج المحلي، وعودة الدولة إلى الاستيراد بعد سنوات من الاكتفاء الذاتي.

مشروع مصري روسي لإنشاء محطات للغاز الطبيعي المسال

المشروع الروسي المزمع لإطلاق محطات للغاز الطبيعي المسال على الأراضي المصرية لا يُعد صفقة طاقة تقليدية، بل يمثل تحالفا استراتيجيًا يعيد تشكيل موازين القوى في شرق المتوسط، ويمنح القاهرة فرصة استثنائية لتعزيز موقعها كمركز إقليمي للطاقة، في لحظة تشهد فيها الأسواق تقلبات غير مسبوقة، وتقف فيها أوروبا وآسيا على أطراف أعصابها بحثا عن بدائل آمنة ومستقرة.

وكشفت وكالة "1prime" الاقتصادية الروسية عن تحركات جادة تقوم بها روسيا لإطلاق محطات للغاز الطبيعي المسال في مصر، مشيرة إلى أن هذا المشروع يمثل مكسبا مزدوجا لكلا الطرفين في ظل التغيرات التي يشهدها سوق الطاقة العالمي.

وأفادت الوكالة الروسية بأن شهر مايو الماضي شهد سلسلة من المفاوضات بين الجانبين المصري والروسي بشأن مشروعات طاقة كبرى، تأتي في توقيت بالغ الحساسية.

محطات غاز روسية على الأراضي المصرية.. هل تتحول القاهرة إلى مركز إقليمي للطاقة؟

سبب استيراد مصر الغاز المسال

بحسب إحصاءات عام 2024، احتلت مصر المركز الثالث على مستوى القارة الأفريقية بين الدول المصدرة للغاز الطبيعي المسال، إلا أن القاهرة اضطرت في يونيو من العام ذاته إلى استئناف استيراد الغاز لأول مرة منذ عام 2018، وهي خطوة تعكس حجم التحديات الهيكلية التي باتت تهدد هذا القطاع الحيوي.

تقرير الوكالة أوضح أن السبب الرئيس وراء التوجه المصري نحو الاستيراد يعود إلى الزيادة الكبيرة في الطلب المحلي على الكهرباء، والتي تزامنت مع تراجع حاد في إنتاج الغاز من الحقول المحلية.

ويأتي هذا التوجه في وقت كانت الحكومة المصرية قد أعلنت رسميًا عن اكتشاف ثلاثة حقول جديدة للنفط والغاز في مايو، لكن تلك الاكتشافات، على أهميتها، لا تزال في مراحل التطوير، التي تتطلب فترات طويلة ومعقدة قبل دخولها حيز الإنتاج الفعلي، بينما يواصل إنتاج الحقول القديمة الانخفاض التدريجي.

فرص التنمية في قطاع الغاز المصري

وفي تحليله للواقع المصري، أشار بافيل ماريشيف، عضو مجلس الخبراء في جمعية الغاز الروسية، إلى أن مصر، ورغم كونها الدولة الأكثر سكانًا في العالم العربي، لم تستطع الحفاظ على وضعها كمصدر صافي للغاز، وذلك بسبب القيود التكنولوجية الواضحة التي تواجهها، إلى جانب تأثيرات الركود الاقتصادي العام. 

وأضاف أن السوق المحلية تشهد عجزا متزايدًا، وهو ما أضعف قدرة الشركات المصرية المصدرة على التوسع، بل دفعها إلى التفكير في خيار الاستيراد، خاصة مع اعتماد مصر على الإمدادات الإسرائيلية، ومع عدم كفاية قاعدة الموارد المحلية لتحقيق الاكتفاء الذاتي.

واستعرض الخبير الروسي أبرز العوامل التي تقوض إمكانيات النمو في قطاع الغاز بمصر، مشيرًا إلى ارتفاع معدلات استنزاف الحقول المنتجة حاليا، وانخفاض معدلات تدفق الغاز في أبرز الحقول الرئيسية، بالإضافة إلى العجز الواضح في الوصول إلى تقنيات الاستخراج والمعالجة الحديثة. 

وأكد ماريشيف أن البنية التحتية المصرية لا تزال بحاجة إلى تطوير كبير في ما يتعلق باستقبال الغاز الطبيعي المسال وإعادة تحويله إلى حالته الغازية، ما دفع الحكومة إلى اللجوء إلى حلول وقتية، من بينها استئجار وحدات عائمة تقوم بهذه المهمة بشكل مؤقت.

محطات غاز روسية على الأراضي المصرية.. هل تتحول القاهرة إلى مركز إقليمي للطاقة؟

"إنرجوس باور" تصل الإسكندرية لتعزيز البنية التحتية

وفي هذا السياق، وصلت السفينة العائمة "إنرجوس باور" إلى ميناء الإسكندرية في أواخر مايو الماضي، قادمة من ألمانيا، وهي وحدة تخزين وتحويل عائمة تتبع شركة "إنرجوس باور"، وتمثل ثاني وحدة من هذا النوع تستأجرها الشركة المصرية القابضة للغاز "إيجاس" من شركة "نيو فورتريس" الأمريكية. 

وتتميز السفينة بقدرة استيعابية تصل إلى 174 ألف متر مكعب، مما يُعزز من قدرة مصر على التعامل مع واردات الغاز الطبيعي المسال في ظل تزايد الطلب المحلي وغياب البنية التحتية الثابتة الكافية.

كيف تستفا مصر من الشراكة مع روسيا في تسييل الغاز؟

أوضح ماريشيف أن التعاون مع روسيا في مجال إنشاء وتطوير البنية التحتية الخاصة بالغاز الطبيعي المسال يمكن أن يشكل نقطة تحول حقيقية لمصر، لا سيما في ظل خبرات الشركات الروسية في هذا المجال. 

ولفت إلى أن شركة "روزنفت" الروسية تملك حصة تبلغ 17.6% في حقل "ظهر"، وهو المشروع الأضخم من نوعه لشركة روسية في مصر، ما يعكس عمق العلاقات الاقتصادية بين الطرفين، ويدلل على وجود رغبة روسية قوية في تعزيز الحضور داخل السوق المصري للطاقة.

وأشار ماريشيف إلى أن العقوبات الغربية المفروضة على روسيا دفعتها إلى تسريع وتيرة تطوير تقنياتها المحلية في مجال الغاز الطبيعي المسال، وهو ما منحها قدرة جديدة على تنويع صادراتها والولوج إلى أسواق جديدة.

وقد بلغت صادرات الغاز الطبيعي المسال الروسي في عام 2024 رقمًا قياسيًا وصل إلى 33.6 مليون طن، استحوذت أوروبا على نحو 17.4 مليون طن منها، أي ما يعادل 52%، في حين توجهت 45% من الكمية إلى الأسواق الآسيوية، وتحديدًا إلى الصين واليابان، اللتين تصدرتا قائمة المشترين.

محطات غاز روسية على الأراضي المصرية.. هل تتحول القاهرة إلى مركز إقليمي للطاقة؟

مصر قد تصبح بوابة الغاز الروسي إلى أفريقيا

وفي هذا الإطار، أكد خادجيمراد بلخاروييف، الأستاذ المشارك في معهد الاقتصاد العالمي والأعمال بجامعة الصداقة بين الشعوب، على أهمية تحديد أسواق صديقة لتصدير الغاز إليها، مشددًا على ضرورة إقامة مشاريع بنية تحتية مشتركة تضمن المنفعة المتبادلة بين روسيا وتلك الدول.

بحسب بلخاروييف، فإن مصر تُعد من أبرز المرشحين لتكون منصة استراتيجية لإعادة توزيع الغاز الروسي في القارة الأفريقية، خاصة مع اقتراب تشغيل مشروع "مورمانسك" الروسي للغاز الطبيعي المسال، الذي من المتوقع أن يُوفر مسارات جديدة للموارد عبر خط أنابيب رئيسي.

13.6 مليون متر مكعب قدرة المحطة الجديدة

ورغم أن القدرة المقررة للمحطة قد خفضت من 20.4 مليون إلى 13.6 مليون متر مكعب، فإن هذا التعديل لا يقلل من أهمية المشروع، خصوصا مع تزايد المخاوف من ضعف العقود الأوروبية طويلة الأجل، ما يدفع موسكو للبحث عن بدائل أكثر استقرارًا، وقد تمثل أفريقيا أحد هذه البدائل الواعدة.

اختتم بلخاروييف تحليله بالتأكيد على أن مصر تمتلك الإمكانات الجغرافية والفنية التي تؤهلها لتصبح مركزًا إقليميًا لتداول الغاز الطبيعي المسال، قادرةً على التوزيع داخل المنطقة، وربما إلى دول الاتحاد الأوروبي. 

لكنه حذر من أن سوق الغاز الطبيعي المسال لا تزال تهيمن عليها مجموعة محدودة من الدول الكبرى المنتجة، وهو ما يُضيف عقبات إضافية أمام أي دولة تسعى إلى توسيع نفوذها في هذا السوق شديد التنافس.