من الأزمة للاكتفاء الذاتي والتصدير.. مصر ترسم ملحمة في صناعة السكر

شهدت مصر خلال العقد الماضي تحولًا كبيرًا في صناعة السكر، حيث انتقلت من أزمات نقص الإمدادات وسوق سوداء إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي، بل ووضع أسس لتصدير الفائض إلى الأسواق العالمية.
وهذه الملحمة الصناعية، التي تجمع بين الجهود الحكومية والاستثمارات الخاصة، تعكس رؤية استراتيجية لتعزيز الأمن الغذائي وتقليل الاعتماد على الاستيراد، مما جعل مصر واحدة من الدول الواعدة في إنتاج السكر على مستوى العالم.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض كيف استطاعت الدولة المصرية الخروج من أزمة نقص السكر إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي بالكامل.
من أزمات الماضي إلى استقرار الحاضر
وفي عام 2016، عانت مصر من أزمة سكر حادة أثرت على الأسواق المحلية، حيث وصل سعر الكيلوغرام إلى مستويات قياسية، وتوقفت العديد من مصانع الحلويات والمشروبات بسبب نقص الإمدادات.
وكانت الأزمة ناتجة عن ضعف سلاسل التوريد، ارتفاع أسعار السكر عالميا، وانخفاض قيمة الجنيه المصري، مما أدى إلى تقليص الواردات وتفاقم النقص.
ومع ذلك استجابت الحكومة المصرية لهذا التحدي من خلال استراتيجية طويلة الأمد ركزت على زيادة الإنتاج المحلي وتطوير البنية التحتية لصناعة السكر.
توسع زراعي وصناعي غير مسبوق
وعملت مصر على زيادة المساحات المنزرعة بمحاصيل السكر، وخاصة بنجر السكر وقصب السكر.
ووفقًا لتقارير وزارة الزراعة، ارتفعت المساحات المزروعة ببنجر السكر إلى حوالي 650 ألف فدان، بينما وصلت مساحات قصب السكر إلى 1.5 مليون فدان، وهذا التوسع ساهم في زيادة الإنتاج المحلي إلى حوالي 3.1 مليون طن سنويًا بحلول عام 2025، مقارنة بـ2.8 مليون طن في 2024.
ومن أبرز المشاريع التي عززت هذا التحول، مصنع القناة للسكر في المنيا، الذي يعد الأكبر في المنطقة بطاقة إنتاجية تصل إلى مليون طن سنويًا.

والمصنع الذي يمتلك 70% من أسهمه شركة إماراتية و30% للبنك الأهلي المصري، يعتمد على 181 ألف فدان من بنجر السكر لضمان استدامة الإنتاج.
كما ساهمت مصانع أخرى مثل شركة الدلتا للسكر، التي تنتج 350 ألف طن سنويًا، وشركة السكر والصناعات التكاملية التي تدير 8 مصانع في صعيد مصر، في تحقيق هذا الإنجاز.
دور السياسات الحكومية والاستثمار الأجنبي
ولعبت القيادة السياسية دورًا حاسمًا في دعم هذا القطاع من خلال سياسات تشجيعية، مثل الزراعة التعاقدية التي توفر التقاوي والإرشادات مجانًا للمزارعين، وتحديد أسعار مرضية لتوريد المحاصيل.
كما ساهمت الاستثمارات الأجنبية، وخاصة من الإمارات والصين، في تمويل مشاريع مثل مصنع القناة، مما عزز الطاقة الإنتاجية ووضع مصر في المرتبة 12 عالميًا بين منتجي السكر.
وأشاد السفير الصيني في القاهرة، لياو ليتشيانغ، بمشروع القناة للسكر، واصفًا إياه بـ"حقل استراتيجي" يدعم الأمن الغذائي المصري.
كما أعلن وزير التموين، شريف فاروق، تحقيق الاكتفاء الذاتي بنسبة 100% في 2024، مع توقعات بتصدير الفائض بدءًا من 2025.
ورغم الإنجازات، لا تزال هناك تحديات، مثل ضعف سلاسل التوريد في بعض الأحيان وارتفاع تكاليف الإنتاج، مما يتطلب استراتيجيات لخفض التكاليف لضمان القدرة التنافسية في التصدير.
كما يتطلب الحفاظ على الاكتفاء الذاتي استثمارات مستمرة في مصانع جديدة بطاقة إنتاجية لا تقل عن 150 ألف طن كل ثلاث سنوات، وفقًا لخبراء الصناعة.
رؤية طموحة للأمن الغذائي
وتمثل رحلة مصر نحو الاكتفاء الذاتي من السكر نموذجًا للتحول الاقتصادي الناجح. من خلال التوسع في الزراعة، تطوير الصناعة، والتعاون مع شركاء دوليين، استطاعت مصر تحويل تحديات الأزمات إلى فرص للنمو والتصدير.
ومع توقعات بإنتاج 3.1 مليون طن في 2025، تتجه مصر نحو تعزيز مكانتها كمركز إقليمي لإنتاج السكر، محققة بذلك طموحات الأمن الغذائي ودعم الاقتصاد الوطني.