مصر هتعمل إيه في ملف الديون؟.. وليه الحكومة استدانت أصلا؟
يا ترى ليه مصر اضطرت تستدين بالشكل الكبير ده في السنين اللي فاتت؟ وهل كان قدام الحكومة اختيار تاني ولا كانت محاصرة بواقع صعب وضغوط أقسى من أي حسابات نظرية؟ وليه دلوقتي فجأة بنسمع كلام عن الخروج من دايرة الديون وتقليلها لأدنى مستوى من 50 سنة وهل ده حلم ولا مسار حقيقي ماشيين فيه خطوة خطوة؟
ملف الدين في مصر عمره ما كان سهل ولا بسيط ودايما كان واحد من أكتر الملفات حساسية لأن في فترات وصلت نسبته لقرب 100% من الناتج المحلي وخدمة الدين بقت عبء تقيل ضغط على الموازنة وقلل المساحة المتاحة للصرف على الناس والاستثمار ومع ده كله الحكومة بتقول إن اللي حصل كان اضطراري ومبرر لبناء دولة حديثة بعد سنين طويلة من تراكم مشاكل حقيقية في قطاعات أساسية.
رئيس الوزراء مصطفى مدبولي طلع واتكلم بصراحة وقال إن الحكومة كانت عارفة إن المواطن قلق وخايف من حجم الدين وإن خبراء كتير حذروا من خطورته لكنه شرح إن الاقتراض جه في توقيت كانت فيه الدولة محتاجة تبني من الأساس بنية تحتية شبه منهارة كهربا إسكان صرف صحي طرق ومواني وكل ده اتزامن مع صدمات عالمية محدش كان متوقعها لا كورونا ولا حرب أوكرانيا ولا اضطرابات البحر الأحمر وكلها ضغطت على العملة والموازنة في نفس الوقت.
مصر قبل 2014 كانت قدراتها في الكهرباء محدودة جدا وكانت بتتراوح ما بين 22 ألف و24 ألف ميجاوات ومع زيادة السكان والاستهلاك الوضع كان هيبقى كارثي ولو الدولة ما تدخلتش كان المواطن هيقعد من غير كهربا أكتر من 12 ساعة في اليوم وفعلا شفنا لمحات من الأزمة دي وقت ضغط الغاز وسوق الصرف في صيف 2024 ومع تراجع إنتاج الغاز واضطرار الدولة للاستيراد كان لازم تتحرك بسرعة علشان تحافظ على استقرار الشبكة والاقتصاد.
نفس الكلام في ملف الإسكان اللي كان كابوس حقيقي ملايين الأسر كانت عايشة في مناطق خطرة وعشوائيات وحوالي 300 ألف أسرة كانت ساكنة في عشش ومبانى مؤقتة ومشكلة إسكان الشباب كانت خانقة والحكومة دخلت في برنامج ضخم بنت فيه 1.5 مليون وحدة سكنية وطورت قرى كاملة من خلال مبادرة حياة كريمة باستثمارات وصلت لنحو 350 مليار جنيه علشان توصل مياه وصرف وصحة وتعليم لحوالي 18 مليون مواطن في 1477 قرية.
الطرق والمواني كمان كانوا جزء من الرهان لأن من غير شبكة نقل حديثة مفيش تجارة ولا صناعة ولا استثمار ومع تضاعف عدد السكان كان لازم تتضاعف القدرة الاستيعابية للدولة وفي الصحة اتشالت قوائم انتظار عمليات كانت بتستمر سنين واتنفذت 2.8 مليون عملية جراحية بتحمل المواطن فيها ما بين 300 و450 جنيه بس وفي التعليم زاد عدد الجامعات من 50 جامعة لـ 120 جامعة وانخفضت كثافة الفصول لأقل من 50 طالب.
كل ده خلّى الحكومة تستدين وهي عارفة إنها بتبني أصول وخدمات لكن اللي ما كانش في الحسبان هو توالي الصدمات العالمية اللي خلت كلفة التمويل تزيد والعملة تتضغط والدين يكبر أكتر من المخطط له وده مش في مصر بس ده حصل في دول كتير حوالينا وفي العالم كله.
النهارده الحكومة بتقول إنها بدأت فعلا المسار التنازلي للدين وإن النسبة نزلت من 96% لـ 84% وإن في التزام سياسي واضح قدام الرئيس بتخفيض الدين كجزء أساسي من شغل الحكومة وده حصل بالتوازي مع اتفاقات جديدة مع صندوق النقد اللي وافق على المراجعتين 5 و6 من برنامج التمويل الممتد بقيمة 8 مليار دولار وكمان المراجعة الأولى لتمويل المرونة والاستدامة بقيمة 1.3 مليار دولار بما يمهد لصرف حوالي 2.5 مليار دولار.
صندوق النقد حدد 4 ركائز واضحة للخروج من دوامة الديون أهمها استمرار تحقيق فائض أولي لا يقل عن 3.5% من الناتج المحلي وسياسة نقدية مشددة تتحول تدريجيا لتيسير مدروس وبرنامج حقيقي لتقليل دور الدولة وتوسيع مشاركة القطاع الخاص وكمان إطالة آجال الدين من خلال سندات أطول وصكوك محلية علشان الضغط السنوي على الموازنة يقل.
الجدل لسه موجود وفي ناس شايفة إن البنية التحتية سبقت الإنتاج وناس تانية شايفة إن اللي اتعمل هو اللي هيفتح الباب لنمو حقيقي في الصناعة والزراعة وجذب استثمارات خاصة لكن اللي واضح إن الحكومة داخلة مرحلة مختلفة مرحلة إدارة الدين مش تراكمه ومحاولة إنعكاس الإصلاح الاقتصادي يوصل لجيب المواطن بشكل تدريجي.

