بعد قرار البنك المركزي المصري.. الرابحون والخاسرون من خفض أسعار الفائدة؟
أعاد قرار البنك المركزي المصري بخفض أسعار الفائدة في ديسمبر 2025 رسم خريطة المكاسب والخسائر داخل الاقتصاد، بعدما أنهى عاما اتسم بتشدد نقدي استثنائي لمواجهة موجات تضخمية غير مسبوقة، فقرار خفض الفائدة الأخير لم يكن مجرد تحرك تقني في أسعار العائد، بل خطوة تحمل انعكاسات مباشرة على الموازنة العامة، وسلوك المستثمرين، وأوضاع المدخرين، واتجاهات الأسواق خلال المرحلة المقبلة.
وفي هذا التقرير من بانكير، نستعرض معكم الرابحون من قرار البنك المركزي المصري بخفض الفائدة، مع التطرق إلى أسبابه ودلالاته، وتحديد الأطراف الأكثر استفادة، والفئات التي ستتحمل كلفته، إلى جانب استشراف ما ينتظر السياسة النقدية في 2026.
تفاصيل قرار خفض الفائدة في ختام 2025
أنهت لجنة السياسة النقدية بالبنك المركزي المصري آخر اجتماعات عام 2025 بقرار خفض أسعار الفائدة الأساسية بمقدار 100 نقطة أساس، في خامس تخفيض خلال العام، وبموجب القرار، تراجع سعر عائد الإيداع لليلة واحدة إلى 20%، وسعر الإقراض لليلة واحدة إلى 21%، بينما استقر سعر العملية الرئيسية عند 20.5%.

ويمثل هذا التحرك استكمالًا لمسار تصحيحي بدأ منذ مطلع العام، بعدما وصلت أسعار الفائدة إلى مستويات تاريخية خلال 2023 و2024 في إطار معركة احتواء التضخم، حيث بلغ إجمالي الخفض التراكمي خلال 2025 نحو 6.25%، في تحول واضح من التشدد إلى التيسير المدروس.
وتزامن قرار خفض الفائدة مع تطورات إيجابية على صعيد التمويل الخارجي، بعد التوصل إلى اتفاق على مستوى الموظفين مع صندوق النقد الدولي بشأن مراجعة برنامج تمويلي بقيمة 8 مليارات دولار، ما يعزز فرص تدفقات تمويلية جديدة خلال الفترة المقبلة.
لماذا خفض المركزي الفائدة الآن؟
استند قرار الخفض إلى تحسن ملموس في المؤشرات الاقتصادية، وفي مقدمتها التضخم، الذي واصل التراجع ليسجل 12.3% على أساس سنوي في نوفمبر 2025، مقارنة بمستويات قياسية تجاوزت 38% في سبتمبر 2023، وهذا الانخفاض منح صانعي السياسة النقدية مساحة أوسع للتحرك دون المخاطرة باستقرار الأسعار.
كما أظهرت البيانات الأولية تحسنا في أداء الاقتصاد الحقيقي، مع تسجيل نمو إيجابي للناتج المحلي الإجمالي خلال الربع الأخير من 2025، وسط توقعات باستمرار هذا المسار خلال العام المقبل، رغم استمرار بعض الضغوط المرتبطة بالتضخم غير الغذائي والتطورات الجيوسياسية العالمية.
الهدف الأساسي من قرار خفض الفائدة، تمثل في تقليص كلفة الفوائد المرتفعة على الدين العام، مع خلق بيئة نقدية أكثر دعمًا للاستثمار والنشاط الاقتصادي، دون الإخلال باستقرار التوقعات التضخمية.
الرابحون من خفض الفائدة في 2025
فتح خفض الفائدة الباب أمام مكاسب مباشرة وغير مباشرة لعدد من الأطراف داخل الاقتصاد، أبرزها:
الحكومة المصرية:
تأتي الموازنة العامة في صدارة المستفيدين، إذ ينعكس كل خفض بمقدار 1% في أسعار العائد على تقليص فاتورة خدمة الدين بعشرات المليارات من الجنيهات، وتشير التقديرات إلى أن الخفض الأخير يوفر ما بين 75 و80 مليار جنيه سنويًا، بينما يصل إجمالي الوفر الناتج عن التخفيضات التراكمية خلال 2025 إلى نحو 560 مليار جنيه.
المقترضون وقطاع الأعمال:
يمنح القرار دفعة قوية للأفراد والشركات عبر تراجع كلفة الاقتراض، ما يسهل تمويل التوسعات الاستثمارية، ويعيد تحريك مشروعات كانت مؤجلة بسبب ارتفاع أسعار الفائدة، خاصة في القطاعات الإنتاجية والخدمية.
البورصة المصرية:
تعد سوق المال من أبرز المستفيدين، مع تراجع جاذبية الادخار التقليدي مقارنة بالاستثمار في الأسهم، كما يساهم انخفاض الفائدة في تحسين هوامش ربحية الشركات المقيدة عبر تقليص أعباء التمويل، إلى جانب توقع تدفقات سيولة جديدة مع استحقاق شهادات ادخار مرتفعة العائد مطلع 2026.
العقارات والذهب:
يدفع تراجع العائد البنكي جزءًا من المدخرات نحو الأصول البديلة، وفي مقدمتها العقارات والذهب، ويتوقع أن يشهد السوق العقاري نشاطًا ملحوظًا، مدعوما بالمشروعات القومية الكبرى ونماذج الشراكة الجديدة التي تتيح فرصًا استثمارية متنوعة.
البنوك وسوق العمل:
تستفيد البنوك من انخفاض تكلفة الأموال، مع زيادة الطلب على الائتمان، ما يدعم نمو محافظ القروض. وعلى المدى المتوسط، ينعكس النشاط الاستثماري المتزايد في صورة فرص عمل جديدة، بما يساهم في خفض معدلات البطالة.
من يتحمل كلفة خفض الفائدة؟
على الجانب الآخر، لم يخل القرار من آثار سلبية تطال بعض الفئات منها:
المدخرون وأصحاب الودائع:
يتصدر المتضررين أصحاب الودائع والشهادات الادخارية، مع تراجع العائد الدوري، وهو ما يؤثر بشكل مباشر على فئات تعتمد على الفائدة كمصدر دخل ثابت، مثل أصحاب المعاشات والموظفين.
مستثمرو أدوات الدين:
تتقلص عوائد الاستثمار في أذون وسندات الخزانة مع اتجاه السياسة النقدية نحو التيسير، رغم استمرار جاذبيتها النسبية مقارنة بأسواق ناشئة أخرى.

الانعكاسات العامة على الاقتصاد:
يعزز خفض الفائدة فرص النمو عبر تحفيز الاستثمار والاقتراض، ويخفف في الوقت نفسه الضغوط على المالية العامة، كما يدعم قطاعات رئيسية مثل سوق المال والعقارات، ويعكس قدرا من المرونة في إدارة السياسة النقدية، خاصة مع تحسن وضع الاحتياطيات الأجنبية.
في المقابل، يظل التحدي الأبرز هو الحفاظ على مسار التضخم النزولي، في ظل بيئة دولية متقلبة، ما يفرض مراقبة دقيقة لتداعيات أي توسع نقدي خلال الفترة المقبلة.
توقعات أسعار الفائدة في 2026
تشير التقديرات إلى أن 2026 قد يشهد استمرارا لسياسة التيسير النقدي، مع احتمالات خفض إضافي يتراوح بين 6% و7% على مدار العام، بدعم من تراجع التضخم واستمرار التعاون مع صندوق النقد الدولي، غير أن هذا المسار سيظل مرهونا بقدرة الاقتصاد على استيعاب التخفيضات دون ضغوط سعرية جديدة.
وفي النهاية يبقى قرار البنك المركزي المصري بخفض الفائدة 100 نقطة أساس في ديسمبر 2025 نقطة فاصلة، ليس فقط في مسار أسعار الفائدة، بل في ملامح السياسة الاقتصادية ككل، بين طموحات النمو ومتطلبات الاستقرار.
