صدمة الكهرباء.. سر قرار الحكومة رفع تكلفة شحن السيارات 180%

في خطوة أثارت جدلاً واسعاً بين المستهلكين وأصحاب المصلحة في قطاع السيارات الكهربائية، أعلنت الحكومة عن قرار رفع تكلفة شحن السيارات الكهربائية بنسبة تصل إلى 180% في محطات الشحن السريع العاملة بالتيار المستمر (DC)، وبنسبة 45% لمحطات الشحن بالتيار المتردد (AC).
وهذا القرار، الذي نشر في الجريدة الرسمية ودخل حيز التنفيذ في 3 سبتمبر 2025، أثار تساؤلات حول دوافعه الحقيقية: هل هو محاولة لتحقيق التوازن الاقتصادي في سوق الطاقة الناشئ، أم هو عائق على أصحاب السيارات الكهربائية؟.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نغوص في أعماق هذا القرار، مستعرضين أسبابه، تأثيراته، وردود الفعل التي أعقبته.
لماذا الزيادة الآن؟
ويأتي قرار رفع تكلفة شحن السيارات الكهربائية في إطار إعادة هيكلة منظومة الطاقة في مصر، حيث تسعى الحكومة إلى تحقيق توازن بين دعم التحول نحو الطاقة النظيفة وتغطية التكاليف التشغيلية للبنية التحتية.
ووفقاً للقرار الوزاري رقم 101 لسنة 2025، الصادر عن وزير الكهرباء والطاقة المتجددة الدكتور محمود عصمت، يتم الآن احتساب سعر شحن السيارات الكهربائية بناءً على سعر توريد الكهرباء من شركات التوزيع، مضافاً إليه 180% لمحطات الشحن السريع (DC) و45% لمحطات الشحن البطيء (AC) حتى 22 كيلوواط.
وهذا يعني أن سعر الشحن بالتيار المتردد ارتفع من 1.89 جنيه إلى 3.40 جنيه للكيلوواط/ساعة، بينما ارتفع سعر الشحن السريع من 3.75 جنيه إلى 6.55 جنيه، مما يرفع تكلفة شحن بطارية سعة 100 كيلوواط/ساعة من 375 جنيهاً إلى 655 جنيهاً.
السبب الرئيسي وراء هذه الزيادة، كما أوضحت مصادر حكومية، هو الحاجة إلى دعم الاستثمار في البنية التحتية لمحطات الشحن، التي تعاني من خسائر متراكمة بسبب ارتفاع تكاليف الإنشاء والتشغيل في ظل انخفاض قيمة الجنيه مقابل الدولار.
ومع وجود حوالي 450 محطة شحن فقط في مصر حتى منتصف 2025، مقارنة بخطة طموحة لإنشاء 3000 محطة مزدوجة، يبدو أن القطاع يواجه تحديات مالية كبيرة.
أحمد زين، رئيس لجنة الطاقة النظيفة بشعبة السيارات في غرفة القاهرة التجارية، أكد أن هذه الزيادة كانت مطلباً ملحاً للمستثمرين لضمان استدامة الشركات وتوسيع شبكة الشحن من 2000 نقطة إلى مليون نقطة في المستقبل.
تأثير القرار على المستهلكين والسوق
وعلى الرغم من أن القرار يهدف إلى تعزيز الشفافية ودعم الاستثمار، إلا أنه أثار مخاوف المستهلكين، خاصة مع ارتفاع تكلفة الشحن في المحطات العامة.
وعلى سبيل المثال، شحن سيارة كهربائية بسعة 200 كيلوواط/ساعة في محطات الشحن السريع يكلف الآن حوالي 750 جنيهاً، مقارنة بـ190 جنيهاً فقط عند الشحن المنزلي، الذي يظل خاضعاً لأسعار شرائح الاستهلاك المنزلية دون تغيير.
وهذا الفارق الكبير يجعل الشحن المنزلي الخيار الأكثر اقتصاداً، لكنه يحد من جاذبية الشحن السريع على الطرق، مما قد يثني البعض عن اقتناء السيارات الكهربائية.

من جهة أخرى، أشار المستشار أسامة أبو المجد، رئيس رابطة تجار السيارات، إلى أن الزيادة قد تبدو مبالغاً فيها، لكنه أكد أن تكلفة تشغيل السيارات الكهربائية لا تزال أقل بنسبة 50% مقارنة بالسيارات العاملة بالوقود الأحفوري، مما يحافظ على جاذبيتها الاقتصادية.
ومع ذلك، يرى البعض أن هذه الزيادة قد تعيق نمو السوق الناشئ، خاصة مع تسجيل 14 ألف سيارة كهربائية فقط في مصر حتى 2024، ومبيعات لم تتجاوز 6 آلاف سيارة في نفس العام.
ردود الفعل والتوجهات المستقبلية
وأثارت الزيادة نقاشاً حاداً بين المستهلكين والخبراء، حيث عبر البعض عن استيائهم من ضعف البنية التحتية، مشيرين إلى أن عدد نقاط الشحن لم يشهد تحسناً يذكر خلال السنوات الماضية، مع وجود شاحن واحد بقدرة 120 كيلوواط/ساعة فقط في مصر، ينخفض أداؤه عند استخدامه من قبل أكثر من سيارة في وقت واحد.
وفي المقابل، يرى المستثمرون أن هذه الزيادة خطوة ضرورية لتشجيع التوسع في إنشاء محطات شحن جديدة، خاصة في ظل ارتفاع تكاليف الاستثمار بسبب تحرير سعر الصرف.
وتسعى مصر إلى توطين صناعة السيارات الكهربائية، مع خطط لإنتاج 20 ألف سيارة محلية بحلول نهاية 2025 بالتعاون مع شركة "بايك" الصينية.
ولكن تحقيق هذا الهدف يتطلب بنية تحتية قوية، وهو ما يجعل قرار رفع الأسعار خطوة مثيرة للجدل، فبينما يهدف إلى ضمان استدامة الشركات، قد يؤثر سلباً على جاذبية السيارات الكهربائية للمستهلك العادي.
وقرار رفع تكلفة شحن السيارات الكهربائية بنسبة 180% في مصر يعكس محاولة الحكومة لتحقيق توازن بين دعم المستثمرين وضمان استدامة البنية التحتية للشحن، لكنه يضع المستهلكين أمام تحديات جديدة.
وفي الوقت الذي تسعى فيه مصر لتكون مركزاً إقليمياً لصناعة السيارات الكهربائية، يبقى السؤال: هل سينجح هذا القرار في تسريع التحول نحو الطاقة النظيفة، أم سيصبح عائقاً أمام طموحات المستهلكين؟.