الثلاثاء 19 أغسطس 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

بعد عامين من التشدد.. ماذا يعني رفع القيود المفروضة على استخدام البطاقات الائتمانية بالخارج؟

الثلاثاء 19/أغسطس/2025 - 09:00 م
رفع القيود على استخدام
رفع القيود على استخدام البطاقات الائتمانية بالخارج

اتخذ البنك المركزي المصري واحدة من أكثر الخطوات جرأة في إدارة ملف النقد الأجنبي، بإعلانه رفع القيود المفروضة على استخدام البطاقات الائتمانية بالخارج، بعد نحو عامين من الإجراءات الصارمة التي فرضتها أزمة نقص العملة الصعبة.

القرار لا يقتصر على كونه تعديلا في قواعد تنظيمية، بل يعكس تحولا نوعيا في المشهد الاقتصادي، إذ يبعث برسالة واضحة بأن مصر باتت أكثر قدرة على تلبية الطلبات الدولارية دون الحاجة إلى فرض قيود استثنائية.

اللافت أن توقيت القرار تزامن مع اتجاه البنوك لزيادة حدود الاستخدام الخارجي للبطاقات إلى 10 آلاف دولار، وهو سقف يعكس حجم الثقة التي اكتسبتها السوق مؤخرا في ظل تحسن التدفقات الأجنبية، سواء من تحويلات العاملين بالخارج أو عبر عودة الاستثمارات، إلى جانب التراجع النسبي في سعر صرف الدولار، وهو ما يشير إلى أن السوق لم تعد تعاني الضغوط نفسها التي فرضت التشدد في السابق.

رفع القيود على استخدام البطاقات الائتمانية بالخارج

تعزيز حرية حركة رأس المال

يرى خبراء أن رفع القيود لم يكن مجرد تعديل على آلية الاستخدام الخارجي للبطاقات، بل يمثل رسالة سياسية واقتصادية موجهة في آن واحد للأسواق بأن مصر عازمة على تعزيز حرية حركة رأس المال، ولصندوق النقد الدولي بأن الالتزام بمرونة أكبر في سوق الصرف بات واقعا ملموسا. 

ذه الخطوة ـ بحسب المتخصصين في الشأن الاقتصادي ـ لا يمكن فصلها عن مسار الإصلاح الاقتصادي، إذ تؤكد أن الدولة لم تعد في موقع "إدارة الأزمة"، بل انتقلت إلى مرحلة "استعادة الثقة" في السوق المصري من جديد.

رفع القيود من موقع قوة لا من موقع اضطرا

القرار لم يأتي في فراغ، بل جاء مدعوما بتحسن ملحوظ في موارد النقد الأجنبي، فالمصادر الدولارية ـ من تحويلات المصريين بالخارج إلى إيرادات السياحة وعودة بعض الاستثمارات الأجنبية ـ أسهمت في تقليل الفجوة الدولارية التي شكلت عبئًا كبيرًا على السوق في العامين الماضيين. 

هذا التحسن، بحسب رأي المحللين، سمح للبنك المركزي بأن يرفع القيود من موقع قوة لا من موقع اضطرار، وهو ما يميز هذه الخطوة عن محاولات سابقة لامتصاص الضغوط.

رفع القيود على استخدام البطاقات الائتمانية بالخارج

سعر صرف مرن يحافظ على استقرار الاقتصاد

وأكد الخبراء أن من أبرز التحولات التي رافقت القرار أن مصر تعمل حاليا وفق نظام أكثر مرونة في إدارة سعر الصرف. 

وأشاروا إلى أن تحركات الدولار منذ بداية العام لم تتجاوز نطاق 5% صعودا أو هبوطا، وهو ما يعكس وجود توازن نسبي في السوق، على عكس فترات سابقة شهدت تقلبات حادة. 

هذه المرونة، وإن كانت مشروطة بالحفاظ على استقرار الاقتصاد الكلي، فإنها تمنح المتعاملين إشارات طمأنة بأن السوق لن تشهد "قفزات عشوائية" في قيمة العملة.

طرح حصص لشركات بـ 4 مليارات دولار

وفي الوقت الذي يرحب فيه صندوق النقد الدولي بخطوات تحرير السوق، يظل ملف الطروحات الحكومية بمثابة الاختبار الأهم، فالمؤسسة الدولية تربط صرف الشريحتين المتبقيتين من القرض ـ والبالغتين مليارات الدولارات ـ بمدى جدية مصر في تنفيذ برنامج الخصخصة. 

وتشير التقديرات إلى أن الحكومة تستعد لطرح حصص في عدد من الشركات قبل نهاية العام، بقيمة قد تصل إلى 4 مليارات دولار، وهو ما يعد مؤشرا رئيسيا على التزامها بالإصلاح.

لا ينفصل قرار رفع القيود عن الحراك المرتقب في سوق المال، فالمؤشرات تشير إلى أن البورصة المصرية مقبلة على مرحلة نشاط واسعة، مدعومة بطرح شركات استراتيجية في قطاعات متنوعة.

وقد تجاوز المؤشر الرئيسي حاجز الـ36 ألف نقطة، في دلالة على تدفق سيولة جديدة واستعداد المستثمرين لموجة صعود جديدة، ويعتقد الخبراء أن نجاح هذه الطروحات سيؤدي إلى مضاعفة الثقة في السوق المصرية كوجهة استثمارية جاذبة، ويعزز من قدرة الدولة على توفير مصادر مستدامة للنقد الأجنبي.

رفع القيود على استخدام البطاقات الائتمانية بالخارج

كيف انتعش الاقتصاد المصري في 2025؟

الفارق الجوهري بين مرحلة التشدد السابقة والقرار الأخير يكمن في السياق، ففي الماضي، فرضت القيود كإجراء دفاعي لحماية ما تبقى من احتياطيات النقد الأجنبي، بينما يأتي رفعها اليوم كإجراء هجومي يعكس تماسك السياسات المالية والنقدية. 

هذا التحول من الدفاع إلى الهجوم يمثل جوهر الثقة التي يسعى صانع القرار المصري إلى ترسيخها لدى الأسواق المحلية والدولية، من أجل جذب المزيد من الاستثمارات المباشرة إلى السوق المصري وتدفق المزيد من النقد الأجنبي لمصر خلال الفترات المقبلة.