1.87 مليون طن.. كيف أصبحت مصر أكبر منتج للتمور على مستوى العالم؟

تتربع مصر على قمة إنتاج التمور عالميا بإنتاج سنوي بلغ 1.87 مليون طن، وهو ما يمثل 19.33% من الإنتاج العالمي، و24.41% من الإنتاج العربي، وفقا لأحدث تقرير صادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار بمجلس الوزراء المصري.
هذا الإنجاز ليس مجرد رقم، بل نتيجة استراتيجيات طويلة الأمد، استثمارات ضخمة، وتكامل جهود الحكومة والقطاع الخاص لتحويل مصر إلى قوة زراعية عالمية في هذا القطاع الحيوي، وتصبح الدولة الأولى في العالم التي تنتج التمور.
ويستعرض هذا التقرير من بانكير، تفاصططيل حول كيفية تحقيق مصر لهذه الريادة، والاستراتيجيات التي اتبعتها لتتربع على قمة انتاج التمور في العالم، وتأثير ذلك على الاقتصاد المصري.
البداية في 2016: استراتيجية تطوير النخيل
أطلقت مصر في سبتمبر 2016 "استراتيجية تطوير قطاع النخيل والتمور"، التي شكلت خارطة طريق لتعزيز القطاع عبر خمسة برامج رئيسية تمثلت في: “تطوير مرحلة الإنتاج، التسويق، التعبئة والتصنيع، التصدير، وإنشاء مناطق إنتاج نموذجية”.
هذه الاستراتيجية كانت بمثابة ثورة في عالم انتاج التمور، وضعت بالتعاون مع مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار، وركزت على تحسين سلاسل القيمة من المزرعة إلى السوق، مما ساهم في زيادة الإنتاجية وتعزيز القدرة التنافسية في الأسواق العالمية.

تطوير مرحلة إنتاج التمور
شملت هذه المرحلة زراعة أصناف عالية الجودة مثل المجدول والبرحي، وتوسيع المساحات المزروعة إلى 186.2 ألف فدان بحلول 2023، مع خطط للوصول إلى 40 ألف فدان إضافية في مشاريع مثل توشكى والعوينات.
وبلغ عدد النخيل في مصر حوالي 15-18 مليون نخلة، منها 12 مليون نخلة مثمرة، تنتج ما يقرب من 150-200 كيلوجرم للنخلة الواحدة في المتوسط، خاصة في الأصناف الرطبة مثل الحياني والزغلول، كما كثفت مصر جهودها لمكافحة سوسة النخيل الحمراء عبر برامج رصد وتطهير، مما قلل الخسائر بنسبة كبيرة وحافظ على جودة الإنتاج.
كما تضمنت الاستراتيجية الجديدة الاعتماد أنظمة الري الحديثة مثل الري بالتنقيط، واستخدام الطاقة الشمسية في المناطق النائية، مما ساهم في استدامة الإنتاج في الأراضي الصحراوية.
مميزات التمور المصرية
يتميز انتاج التمور في مصر بتنوع أصناف التمور، التي تصنف إلى ثلاث فئات رئيسية، تأتي على النحو التالي:
التمور الرطبة (52.7% من الإنتاج):
تشمل أصناف الحياني (المنتشر في الوجه البحري، 175-200 كجم/نخلة)، الزغلول (شائع في البحيرة والإسكندرية، 150 كجم/نخلة)، والسماني، وهذه الأصناف تستهلك طازجة وتستخدم في صناعة العجوة.
التمور النصف جافة (33% من الطلب العالمي):
مثل المجدول والبرحي، التي تزرع بكثافة في الوادي الجديد وسيوة، وتتميز بقيمتها التصديرية العالية، حيث يتراوح سعر الطن بين 4000 و8000 دولار.
التمور الجافة:
تتركز في أسوان، التي تضم 1.85 مليون نخلة، تنتج حوالي 100 ألف طن، مع مركز نصر النوبة كأكبر مركز إنتاج (570 ألف نخلة).
وتتوزع الإنتاجية جغرافيا عبر محافظات الجيزة (262.1 ألف طن)، الشرقية (226.5 ألف طن)، البحيرة (206 ألف طن)، والوادي الجديد (180 ألف طن)، مما يعكس التنوع الجغرافي والمناخي الذي يدعم زراعة النخيل.

سلاسل القيمة: من الإنتاج إلى التصدير
ركزت مصر على تحسين سلاسل القيمة للتمور لتعزيز القيمة المضافة وزيادة الصادرات، تضمنت هذه الجهود:
مرحلة التعبئة والتصنيع:
أُنشئت مصانع حديثة في سيوة والواحات البحرية لفرز، وتنظيف، وتبخير، وتجفيف التمور، مع التركيز على إنتاج تمور كاملة أو منزوعة النوى، مضافًا إليها منكهات مثل الحبهان أو دبس التمر لتحسين الطعم والمظهر.
البنية التحتية:
تم إنشاء مخازن مبردة ومجمعات تصنيعية للحفاظ على جودة التمور، مما ساهم في تقليل الفاقد وتلبية معايير الأسواق الدولية.
التسويق:
شملت الجهود تقليل الوسطاء عبر إنشاء منصات تسويقية مباشرة، وتطوير مناطق إنتاج نموذجية مثل سيوة، التي تعد مركزا رئيسيا لإنتاج التمور الفاخرة.
قفزة نوعية في صادرات التمور المصرية
حققت مصر نموا ملحوظا في صادرات التمور، حيث بلغت قيمتها 105.62 مليون دولار في 2024، بزيادة 120.55% مقارنة بعام 2014، و19.33% مقارنة بعام 2023.
هذا النمو تحقق بفضل فتح أسواق جديدة، حيث اخترقت مصر أسواقا في آسيا (مثل اليابان) وأوروبا، مع التركيز على الأصناف الفاخرة مثل المجدول، والعمل على تحسين الجودة، من خلال الالتزام بمعايير الجودة العالمية، مثل شهادات ISO وGlobal GAP، عزز ثقة الأسواق الدولية في المنتج المصري.
كما عملت مصر على تنويع المنتجات، إلى جانب التمور الطازجة، زادت مصر إنتاج المنتجات المشتقة مثل العجوة، دبس التمر، والخميرة الصناعية، مما عزز القيمة المضافة.
وبالرغم من أن مصر تحتل المرتبة التاسعة عالميا في تصدير التمور (بقيمة 105 مليون دولار)، إلا أنها تسعى للوصول إلى المرتبة الخامسة بحلول 2030 من خلال زيادة الصادرات إلى 200 ألف طن سنويا، مستفيدة من الطلب المتزايد في الأسواق العالمية، حيث قدر حجم سوق التمور بـ15.47 مليار دولار في 2024، مع توقعات بوصوله إلى 18.18 مليار دولار بحلول 2029.

كيف ساهم انتاج التمور في تعزيز الاقتصاد الوطني؟
يسهم قطاع التمور في توفير آلاف فرص العمل، خاصة في المناطق الريفية والصحراوية، ويدعم الأمن الغذائي بفضل القيمة الغذائية العالية للتمور، كما يعزز القطاع النقد الأجنبي، حيث تعد التمور من المحاصيل الاستراتيجية التي تدعم الاقتصاد المصري.
وتسعى مصر لتعزيز ريادتها العالمية من خلال زيادة الاستثمار في الصناعات التحويلية، وتحسين سلاسل التوريد، وتوسيع الأسواق الدولية، ومع استمرار الدعم الحكومي والتوسع في مشاريع استصلاح الأراضي، تتجه مصر نحو تحقيق طموحاتها لتصبح مركزا عالميا لإنتاج وتصدير التمور، مع الحفاظ على استدامة هذا القطاع الحيوي.