ما تأثير الشمول المالي على التنمية الاقتصادية والحد من الفقر في مصر؟

وسط مساعي مصر الحثيثة لتحقيق طموحات رؤية 2030، يبرز الشمول المالي كمحور استراتيجي يعزز التنمية الاقتصادية ويحد من وطأة الفقر، ويعد أحد علامات النهضة الاقتصادية داخل دول العالم.
وبات “الشمول المالي” شعارا عالميا ورهانا محليا، يجسد قدرة الأفراد والمؤسسات - خاصة الفئات الأقل حظا- على الوصول إلى خدمات مالية رسمية متطورة بتكلفة ميسرة، ليصبح بمثابة جسر يربط بين الطموح الاقتصادي والعدالة الاجتماعية.
فكيف يترجم هذا التوجه إلى واقع ملموس في مصر؟، وما مدى تأثيره على مسار التنمية ومؤشرات الفقر، هذا ما سنحاول الإجابة عليه لقراء بانكير في هذا التقرير.
قفزة نوعية في الشمول المالي

تكشف أحدث الإحصاءات الرسمية، الصادرة عن البنك المركزي المصري، عن طفرة غير مسبوقة في معدلات الشمول المالي، التي قفزت إلى 74.8% بنهاية 2024، مقارنة بـ 25.8% في 2016، وهذا الإنجاز يعني أن أكثر من 52 مليون مواطن، من إجمالي 69.6 مليون في الفئة العمرية فوق 15 عامًا، أصبحوا جزءًا من النظام المالي الرسمي عبر حسابات بنكية، محافظ إلكترونية، أو بطاقات دفع مسبقة.
هذه الأرقام ليست مجرد مؤشرات، بل دليل على نجاح سياسات تهدف إلى ضم الاقتصاد غير الرسمي إلى المنظومة الرسمية، وتمكين الفئات المهمشة من أدوات مالية حديثة، تيسر معاملاتهم المالية، وتقلل من عملية تداول العملات الرقمية.
مبادرات عززت الشمول المالي
وقد لعبت مبادرات مثل تبسيط إجراءات فتح الحسابات باستخدام الرقم القومي دورا حاسما، حيث أنشئ أكثر من مليون حساب للأفراد و400 ألف حساب للأنشطة الاقتصادية خلال الفترة من 2022 إلى 2024.
ومكن هذا التحول الكبير في الشمول المالي، أصحاب المشروعات الصغيرة والحرفيين من إدارة مواردهم بفعالية، ما عزز من دورهم كمحركات للاقتصاد المحلي,
الشمول المالي.. محرك التنمية الشاملة
ويؤكد خبراء الاقتصاد أن "الشمول المالي لم يعد خيارا بل ضرورة لتحقيق تنمية مستدامة، فهو يمنح المواطنين أدوات التمكين ويعزز النمو الاقتصادي الشامل.
وتؤكد التقارير أن الخدمات المالية الرقمية، مثل المدفوعات الإلكترونية والقروض الميسرة، قلصت تكاليف التعاملات النقدية بنسبة 25%، وخفضت زمن المعاملات إلى النصف، مما انعكس إيجابا على كفاءة الاقتصاد الوطني.
وبفضل استراتيجية الشمول المالي (2022-2025)، التي عززت التحول الرقمي، أصبحت المدفوعات الإلكترونية جزءا لا يتجزأ من حياة المصريين، خاصة بعد الدفعة القوية التي شهدتها هذه التقنيات إبان جائحة كورونا.
هذا التحول لم يقتصر على تيسير الحياة اليومية، بل ساهم في تقليص الاقتصاد غير الرسمي، وتعزيز الشفافية، ومكافحة الفساد، ليصبح رافعة للاستقرار المالي وتحسين مؤشرات التنافسية العالمية.
كيف يساهم الشمول المالي في محاربة الفقر؟

على صعيد مكافحة الفقر، يشكل الشمول المالي أداة فعالة لتمكين الفئات الأضعف، خاصة النساء والشباب.
فقد أتاحت المحافظ الإلكترونية وبرامج الائتمان المصغر فرصا للادخار والاستثمار في مشروعات صغيرة، تعد العمود الفقري لسوق العمل المصري، وتظهر بيانات البنك المركزي أن الفجوة في الوصول إلى الخدمات المالية بين الأغنياء والفقراء تقلصت بشكل لافت، حيث وصلت نسبة امتلاك الحسابات بين أفقر 40% من السكان إلى 60% مقارنة بالأغنى بحلول 2021، مقابل فجوة ثلاثية قبل عقد من الزمن.
وفي سياق تمكين المرأة، يتقاطع الشمول المالي مع "الاستراتيجية الوطنية للمرأة 2030"، حيث أسهمت برامج التثقيف المالي، بالتعاون مع المجلس القومي للمرأة، في تعزيز استقلالية النساء اقتصاديا.
فمن خلال إدارة مواردهن وإطلاق مشروعاتهن الخاصة، باتت المرأة المصرية شريكا أساسيا في تقليص الفوارق الاجتماعية وتحسين مستوى المعيشة.
تحديات تواجه الشمول المالي
ورغم هذه الإنجازات، تبقى عقبات مثل ضعف الوعي المالي لدى شرائح واسعة، ومحدودية البنية التحتية الرقمية في الأرياف، تشكل تحديا أمام تعميم الشمول المالي.
لكن مصر تضع نصب عينيها خططا طموحة، تشمل تعزيز التثقيف المالي، وتوسيع الشراكات مع القطاع الخاص لتطوير حلول مبتكرة، لضمان استدامة هذا التقدم.