السبت 20 أبريل 2024
رئيس التحرير
عمرو عامر
المشرف العام
عبدالعظيم حشيش
تحليل

عمرو عامر يكتب.. المركزي وصناعة القرار

السبت 14/يناير/2023 - 09:44 م
الكاتب الصحفي عمرو
الكاتب الصحفي عمرو عامر

القيادات في الدولة المتقدمة تصنع ولاتولد والتعلم ومعه الموهبة صنوان للنجاح، والتجارب تفرز الأقوياء ومن يستطيعون اتخاذ القرار وتحمل عواقبه  وقليلون من لديهم الحاسة السادسة وبعد النظر ورؤية النتائج على بعد مئات الكيلو مترات والأهم من ذلك كله الثقة في القدرات وتوفيق الإله الواحد.
قيادات البنك المركزي وعلى رأسهم المصرفي المخضرم حسن عبد الله من عينة تلك القيادات التي يمكنها الإبحار في أعتى العواصف وهم واثقون بالنجاة والوصول للبر بأقل الخسائر بينما أخرون أن السفينة تغرق، بينما الحس العالي بالمسئولية يصنع الفارق.
لا أحد كان يتخيل يوما أن الدولار أزمته سوف تنتهي في القريب العاجل ولم ينتظر أحدا أن تجرؤ كتيبة عبد الله على اتخاذ القرار الصعب والمباشر وأن ينفذ ما خشاه كثيرون كانوا في مكانه لعشرات السنين فلا أحد كانت لديه الشجاعة وأن يمسك بالمشرط ويستأصل الورم الذي يقع في قلب الجنيه المصري ويسبب علته.
كل المؤشرات كانت تقول أن الرجل سيلجأ لحلول سابقيه ويؤثر السلامة على اتخاذ قرارات جريئة وعاصفة وأنه لن يتحمل العواقب ولن يصمد في وجه عاصفة الانتقادات.
كفى تدليلا وحماية .. كان القرار الأصعب في تاريخ البنك المركزي المصري ليستقيم الحال ويصحح الاعوجاج في السياسة النقدية بدلا من السير عكس اتجاه المنطق والعقل وتحدى قوانين الاقتصاد المعروفة، ووضع نهاية لسوق سوداء تنهش في جسد الجنيه وتتحكم في سوق العملة وتجهض كل تحرك لتوفير الدولار.. لو كان عبد الله اتخذ القرار في وقت أخر وقبل أزمة كورونا والصراع الروسي الأوكراني لكان الاجراء عاديا لكن أن يقرر ترويض الوحش الأمريكي بينما يترنح الجنيه فوق ظهر ثور هائج هنا يصبح للقرار معنى وللمغامرة سعرها.

لم تمر شهور على تعيين القيادة الجديدة للمركزي حتى صدرت القرارت القوية التي "فرملت" عربة الاقتصاد ومكتسبات التنمية نحو الاندفاع للهاوية والغرق في فوضى التضخم والغلاء الفاحش، وجاءت النتائج عكس ماروج له الأعداء قبل الأصدقاء بأن القرارات كارثية وستغرق الوطن بينما نالت القرارات الأخيرة بتحرير الجنيه ورفع يد التدليل عنه اشادات العالم وخبراء الاقتصاد الدوليين مؤكدين أن الخطوة صحيحة لكنها تأخرت لبضع سنوات خلت وأن مايحدث الآن كان حريا أن يحدث قبل 30 عاما، وهاهي البشائر قد بدأت وفي لغة الأرقام لا شيء للصدفة إذ بدأت التدفقات الأجنية في العودة وبدأ الجنيه يتصرف كرجل في سوق العملات وقاوم الدولار الذي ارتفع لحاجز الـ32 جنيه وكان يمكن أن يصعد اكثر  لكن الجنيه ارتد بقوة ليصل حاجز الـ29 جنيه وينتنظر أن يقهقر الدولار للوراء بعد انتهاء موجة الطلب على الدولار وتستوفي فاتورة الاستيراد والبضائع في الموانيء وبعدها سيكون الطلب على الدولار عاديا وفي مستواه.. 
لم يقف عبد الله عند قرار تحرير الجنيه من قيود الحماية الوهمية بل عمد إلى أفكار أخرى خارج الصندوق لتوفير  مزيد من العملات الصعبة وتوفير السيولة اللازمة فكانت مبادرات حث المصريين على المشاركة في حل الأزمة مثل مبادرة السيارات والأراضي والعقارات المميزة فضلا عن شهادات الـ25% وغيرها الكثير من الأمور التي لم يقترب أحدا على التفكير فيها.
ماتت السوق السوداء للدولار إكلينكيا وهي ليست مبالغة والتدفقات الدولارية على البنوك في اليومين الماضيين تشهد على ذلك وهو وحده انجاز وتسببت القرارات الأخيرة وإدارة الأزمة في صدمة تجار العملة ومواليهم.
قريبا ستنتهي ازمة شح الدولار مع ارتفاع ايردات الدولة من العملة الخضراء بجانب السعر المرن للجنيه ومع تحقيق وفرة العملة الصعبة سينقض الجنيه عليها أجلا أم عاجلا.. لتبقى عظمة القرار مادامت القيادة من نوع مختلف.