مدافن تصل إلى 6.5 مليون جنيه.. تجارة في الموت أم رواج عقاري؟
في ظل الضغوط الاقتصادية والسكانية المتزايدة في مصر، أصبحت قضية المقابر ليست مجرد أمر ديني أو ثقافي، بل تحولت إلى صناعة حقيقية تثير جدلاً واسعاً حول ما إذا كانت تجارة في الموت أم رواج عقاري يعكس نقص المعروض وارتفاع الطلب.
ومع اقتراب نهاية عام 2025، تشير البيانات الجديدة إلى استمرار ارتفاع أسعار المدافن، حيث تصل بعضها إلى 6.5 مليون جنيه مصري، وسط دعوات لتدخل حكومي أكبر لتنظيم السوق وتوفير خيارات ميسورة التكلفة.
وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض اقتباسات من خبراء، مع التركيز على التحديات والحلول المقترحة.
حجم صناعة الموت عالمياً وفي مصر 2025
وبلغ حجم صناعة الموت العالمية 126 مليار دولار في عام 2024، ومن المتوقع أن ترتفع إيراداتها إلى 189 مليار دولار بحلول عام 2030، وفقاً لبيانات جمعتها شركة "سكنة" المصرية المتخصصة في خدمات الدفن والوداع الأخير.
وفي مصر، أصبح الموت صناعة متكاملة تشمل تجهيز المتوفى، خدمات النقل، توزيع كتيبات الأدعية، وحتى بناء المقابر الفاخرة.
وهذه الصناعة لم تعد مجرد خدمة ضرورية، بل أصبحت جزءاً من التفاخر الاجتماعي، حيث يتباهى البعض بجودة الخدمات التي يحصلون عليها.
ومع تزايد السكان، يواجه السوق عجزاً في المعروض من الأراضي المرخصة للمقابر، مما يدفع الأسعار إلى مستويات جنونية.
وفي عام 2025، شهدت مصر زيادة في الطلب على المدافن في المدن الجديدة، مع نقص في المساحات القريبة من المناطق السكنية، مما أدى إلى تفاقم الأزمة.
أسعار المقابر في القاهرة الكبرى 2025
وتتراوح مساحات المدافن العادية في مصر بين 20 و120 متراً مربعاً، لكن أسعارها تفوق الخيال، خاصة في القاهرة الكبرى.
ووفقاً لأحدث البيانات المحدثة لعام 2025، يبدأ أقل سعر لمدفن في القاهرة من 550 ألف جنيه، كما أكد أحد سماسرة المقابر.
أما محمد حنفي، سمسار مقابر آخر، فقد أوضح أن الأسعار تبدأ من 520 ألف جنيه لقطعة بمساحة 20 متراً، وتصل إلى 1.6 مليون جنيه لـ40 متراً، وقد يصل السعر إلى 3 ملايين جنيه لـ60 متراً، وحتى 6.5 مليون جنيه للمدافن الفاخرة بمساحة 120 متراً في غرب القاهرة بطريق الواحات.

وهذه المدافن المخصصة للـ"VIP" تشمل تشطيبات فائقة الجودة باستخدام الرخام والأحجار الطبيعية، بالإضافة إلى قاعات استقبال للزوار.
وفي المدن الجديدة مثل القاهرة الجديدة، تبدأ أسعار المدافن 20 متراً من 220 ألف إلى 250 ألف جنيه، بينما تصل الـ40 متراً إلى أعلى من ذلك، مع خصومات تصل إلى 50% في بعض العروض.
أما في محافظات أخرى مثل دمياط الجديدة، فقد سجلت أسعار تصل إلى 4 ملايين جنيه لمدافن مساحة 170 متراً.
وهذه الأرقام تعكس ارتفاعاً صادماً مقارنة بالسنوات السابقة، حيث كانت الأسعار في حدود عشرات الآلاف فقط.
أسباب ارتفاع أسعار المدافن في مصر
ويعزى الارتفاع الكبير في أسعار المقابر إلى عدة عوامل، أبرزها العجز الحقيقي في عدد المقابر المتاحة مقارنة بالطلب المتزايد.
وأحمد جاب الله، المؤسس والرئيس التنفيذي لشركة "سكنة"، أكد في مؤتمر صحفي، أن التوسع في المدن الجديدة يفتقر إلى مساحات مدافن قريبة، بالإضافة إلى عدم صلاحية بعض المدافن القائمة وغياب المستندات القانونية.
كما يساهم إعادة بيع المقابر المخصصة من الدولة في السوق السوداء في تضاعف الأسعار، حيث يبيع بعض المستفيدين مدافنهم بأضعاف القيمة الأصلية، مضيفاً عمولة السمسار.
وأحد السماسرة في شركة "الرحمن الرحيم" أوضح أن المقابر التي يقل سعرها عن 350 ألف جنيه غالباً ما تكون غير مرخصة، وتقع في محافظات مثل القليوبية، مما يعرض المشترين لمخاطر قانونية.
وهذا الواقع يجعل نهاية بسيطة تحفظ كرامة الإنسان حلماً يتطلب إعداداً مالياً مسبقاً، خاصة مع حمى "البيزنس" التي تجذب صناديق الاستثمار بحثاً عن أرباح خيالية.
تخصيص أراضي وشراكات جديدة
وفي محاولة لمعالجة الأزمة، تسعى الحكومة المصرية حالياً إلى تخصيص نحو 10 آلاف فدان لإنشاء مقابر جديدة في شرق وغرب القاهرة الكبرى.
وسيتم طرح المقابر من خلال جهتين رئيسيتين: المحليات التابعة للمحافظات، وهيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، التي تتولى القرعات في مناطق مثل العاشر من رمضان والسادس من أكتوبر.
والتقدم للقرعات يخضع لشروط مثل إثبات تخصيص وحدة سكنية في المدينة، ويتم تخصيص المقابر بنظام حق الانتفاع وليس التمليك، وفقاً لقانون الجبانات لعام 1966، لمنع المتاجرة.
وفي عام 2025، أعلنت هيئة المجتمعات العمرانية عن بدء تسليم 114 قطعة أرض مقابر في القاهرة الجديدة اعتباراً من أغسطس، مع زيادات تدريجية في مقابل الانتفاع.
كما تستهدف رؤية مصر 2032 تقليص مساحات المقابر داخل الحيز العمراني بنحو 1058 فداناً، ونقل 2134 فداناً إلى مواقع جديدة بحلول 2030.
ولم يتسن الحصول على رد رسمي من رؤساء أجهزة المدن الجديدة، الذين فضلوا عدم الكشف عن هويتهم.
دور القطاع الخاص وشركة سكنة في حل أزمة المقابر 2025-2026
ويدعو جاب الله إلى دخول القطاع الخاص لتخفيف العبء عن الدولة، مشيراً إلى أن ذلك سينقل عملية الدفن من العشوائية إلى نظام مؤسسي يحترم كرامة المتوفى.
وتعمل شركة "سُكنة" على ثلاثة محاور: إنشاء مقابر حديثة بمعايير عالمية، إعادة تأهيل المدافن القائمة، وتوفير مقابر عامة لمحدودي الدخل.
وأعلنت الشركة عن مشروع قومي لإنشاء مقابر متكاملة، مع خطة تكنولوجية لعام 2026، ومفاوضات مع وزارة الإسكان لتخصيص 100 فدان.
كما أكدت شراكة استراتيجية مع الحكومة لتطوير المقابر، مع إطلاق مشروع في 2026 يشمل بناء مدافن جديدة ونقل غير الصالحة.
وهذه الشراكة المرتقبة، التي استمرت مفاوضاتها عاماً ونصفاً، تهدف إلى تنظيم السوق وتوفير خيارات ميسورة.
