لماذا تضع إسرائيل داليا خورشيد و«بلتون» تحت المجهر؟.. تقرير عبري يفتح باب الأسئلة
في تطور لافت يعكس تغير بوصلة الاهتمام الإسرائيلي بالشأن الاقتصادي المصري، نشر موقع تايمز أوف إسرائيل تقريرًا مطولًا للكاتب زاهاك تانفير، تناول فيه ما وصفه بـ"صراع خفي" داخل بنية الاستثمار في مصر، مسلطًا الضوء على دور شخصيات مالية بارزة، في مقدمتهم داليا خورشيد، رئيسة مجلس إدارة شركة بلتون القابضة ووزيرة الاستثمار السابقة.
وعلى خلاف الصورة التقليدية التي رسختها عقود الصراع السياسي والعسكري بين القاهرة وتل أبيب، انتقل التحليل العبري هذه المرة إلى قلب الاقتصاد المصري، محاولًا رسم مشهد جديد يرتبط بمسارات المال الخليجي المتدفق إلى السوق المصري، وتأثيره على العلاقات الإقليمية بين أبوظبي والقاهرة.
محور التقرير: صراع مالي أم قراءة إسرائيلية مضلِّلة؟
تعمق تقرير تايمز أوف إسرائيل في استعراض الخلاف الدائر بين البنك المركزي المصري وبنك أبوظبي الأول، معتبرًا أن هذا الخلاف – وفق مزاعم كاتبه – يمثل "حلقة جديدة" في سلسلة طويلة من التنافس بين شخصيات مالية ذات نفوذ في المنطقة.
وادعى التقرير أن الخلاف ليست جذوره مالية فحسب، بل يمتد إلى "تشابكات شخصية" بين أطراف سبق لها التأثير في المشهد الاقتصادي، مستشهدًا باسم داليا خورشيد التي تتولى رئاسة بلتون القابضة، وهي واحدة من أبرز الشركات العاملة في قطاع الخدمات المالية التابعة لاستثمارات خليجية واسعة في مصر.
وأشار التحليل العبري إلى أن دور خورشيد – وزيرة الاستثمار السابقة – وزوجة محافظ البنك المركزي الأسبق طارق عامر، يعكس – بحسب روايته – ما أسماه "تسييس إدارة الشأن المالي والاستثماري في مصر"، وهي رواية تتجاهل حقائق عديدة حول السياسات الاقتصادية المصرية وإجراءات الإصلاح البنيوي التي اتخذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة.
إدانات مبطنة ومحاولات للربط بين القاهرة وأبوظبي وتل أبيب
حاول التقرير ربط التوترات المتعلقة بتقييمات الشركات ومراكز النفوذ المالي داخل مصر بممرات مالية تمتد – كما وصف – من أبوظبي إلى مومباي وصولًا إلى تل أبيب، في محاولة لإظهار أن ما يجري في القاهرة ينعكس مباشرة على "شبكة مالية إقليمية".
كما ذهب التقرير إلى الإيحاء بأن معالجة ملف شركات مثل بلتون، أو إعادة ترتيب مراكز القوة داخلها، قد يكون له تأثير على العلاقات المصرية الخليجية، وهو طرح يفتقر إلى الدقة، إذ تؤكد البيانات الرسمية أن القاهرة اتخذت خلال السنوات الأخيرة خطوات غير مسبوقة لتهيئة مناخ الاستثمار، ما أسفر عن شراكات خليجية عملاقة أبرزها مشروع رأس الحكمة بالساحل الشمالي ومشروعات المراسي بالبحر الأحمر.
هذه المشروعات، وفق خبراء الاقتصاد، تعكس ثقةً خليجية غير مسبوقة بالسوق المصري، وهو ما يتعارض تمامًا مع ما حاول التقرير العبري ترسيخه.
هل هو تحليل اقتصادي… أم رسالة سياسية؟
أهمية التقرير العبري لا تكمن فقط في محتواه، بل في توقيت نشره والشخصيات التي استهدفها، إذ يطرح تساؤلات حقيقية حول سر اهتمام الكاتب الإسرائيلي بداليا خورشيد تحديدًا، وبشركة بلتون القابضة، رغم أن الشركة تعمل وفق قواعد السوق المصري وتخضع للقوانين واللوائح المنظمة للقطاع المالي.
كما يثار التساؤل:
هل يمثل هذا التحليل محاولة لإحداث شرخ في شبكة العلاقات الاستثمارية بين مصر ودول الخليج؟ أم أنه محاولة لخلق ضباب إعلامي يربك المشهد الاقتصادي؟ أم أنه مجرد قراءة إسرائيلية مشوّهة تعتمد على اجتهادات غير موثقة؟
سياق أوسع: الاقتصاد وحدود الأمن القومي
رغم عولمة رأس المال وتداخل شبكات الاستثمار عالميًا، تظل القاهرة على مدى عقود حريصة على صدّ أي توغل اقتصادي إسرائيلي قد يمس الأمن القومي المصري وقد تصدت الدولة مرارًا لأي محاولات لاختراق منظومة التمويل المحلية أو التأثير على مساراتها الاستراتيجية.
غير أن تقرير تايمز أوف إسرائيل يمثل – على نحو غير مباشر – جرس إنذار يستدعي إعادة التدقيق في بعض الشبكات المالية، ومسارات الأموال، والأدوار التي تلعبها بعض الشخصيات التي سبق أن أثارت الجدل.
قراءة في ما وراء السطور
يبدو أن التقرير العبري لا يهدف فقط إلى تحليل اقتصادي، بل يحمل رسائل متعددة تتجاوز ما ورد في سطحه، خصوصًا مع اختياره تسليط الضوء على شخصية بحجم داليا خورشيد وعلى كيان مالي مؤثر مثل بلتون القابضة.
وبينما يظل كثير مما ورد في التقرير مجرد تكهنات تبني على روايات غير مؤكدة، فإن الرسالة الأهم التي يتركها خلفه هي ضرورة تحصين المشهد الاقتصادي المصري من أي تأثير خارجي أو تحليلات تستهدف زعزعة الثقة أو إثارة الشكوك في شبكة العلاقات الاستثمارية الحيوية التي تربط مصر بدول الخليج.
