السبت 26 يوليو 2025
رئيس التحرير
عمرو عامر
رئيس التحرير
عمرو عامر
تحليل

سر استمرار تراجع العملة الخضراء.. تحليل شامل لتحركات الدولار أمام الجنيه في 9 أشهر

الخميس 24/يوليو/2025 - 09:00 م
سر استمرار تراجع
سر استمرار تراجع الدولار إمام الجنيه.. ماذا يعني ذلك؟

شهد سوق الصرف المصري خلال الأشهر الماضية تحركات ملحوظة في سعر الدولار أمام الجنيه، وصلت ذروتها خلال الفترة الأخيرة مع تسجيل العملة الأمريكية تراجعًا هو الأبرز منذ أكتوبر 2024. 

هذا التراجع في سعر الدولار، الذي جاء تدريجيا وعلى مراحل متقطعة، فتح الباب واسعا أمام تساؤلات حقيقية حول ما إذا كانت هذه التحركات تمثل تحسنا هيكليا في أداء الجنيه، أم أنها انعكاس مؤقت لعوامل ظرفية قد لا تستمر طويلا.

وبين التفاؤل العام في الشارع المصري، والمواقف الأكثر تحفظا داخل الأوساط المصرفية والمالية، يطرح سؤال جوهري: هل نحن بصدد استقرار حقيقي ومستدام في سوق الصرف، أم أن ما يحدث مجرد هدوء مؤقت يسبق موجة جديدة من التذبذبات؟

سر تراجع سعر الدولار.. تحسن حقيقي أم هدنة مؤقتة؟

يرى خبراء مصرفيون أن التراجع الأخير في سعر الدولار لا يجب النظر إليه باعتباره تحولا هيكليا في السوق، بل يفسر وفق معطيات مرحلية، أبرزها انخفاض الطلب الموسمي على العملة الأمريكية، وتراجع حركة الاستيراد خلال بعض الفترات، إلى جانب تصفية مراكز مالية قصيرة الأجل من قبل بعض المستثمرين، وهو ما أدى إلى زيادة العرض النسبي للعملة الأجنبية في البنوك دون وجود تدفقات كبيرة جديدة.

هذه العوامل، وإن كانت قد أحدثت ارتياحا نسبيا في سوق الصرف، إلا أنها لا تمثل مؤشرات صلبة على تحسن الجنيه بشكل مستدام، خصوصا مع استمرار الترقب من جانب المستثمرين، وغياب التغيرات الكبرى في المشهد الجيوسياسي والاقتصادي الإقليمي والدولي.

سر استمرار تراجع الدولار إمام الجنيه.. ماذا يعني ذلك؟

تحذير من الإفراط في التفاؤل بسبب تراجع سعر الدولار

أكد الخبراء أن مرونة آلية التسعير في سوق الانتربنك المحلي سمحت بظهور هذه التحركات السريعة، لكنهم في الوقت نفسه حذروا من الإفراط في التفاؤل، مشيرين إلى أن أي تغير في سعر الصرف يتجاوز ±2% خلال فترات قصيرة يعد تحركا ملحوظا يتطلب مراقبة دقيقة، بينما التغيرات التي تتجاوز ±5% تصنف ضمن الحركات الحادة التي قد تؤثر سلبا على استقرار السوق إذا لم تدار بفعالية.

دور الإصلاحات والسياسات النقدية في دعم قيمة الجنيه

وبعيدا عن العوامل المؤقتة، أشار خبراء إلى أن التماسك النسبي في أداء الجنيه خلال الأشهر التسعة الماضية يرتبط في جانب كبير بالإصلاحات الاقتصادية التي نفذتها الدولة خلال السنوات الأخيرة، والتي أثمرت عن تحسين مؤشرات الاقتصاد الكلي، وتعزيز الثقة في العملة المحلية.

كما ساهمت السياسة النقدية الحذرة، وعلى رأسها قرارات البنك المركزي بشأن أسعار الفائدة، في جذب المزيد من السيولة نحو الأوعية الادخارية بالجنيه، ما رفع حجم الودائع والشهادات إلى مستويات غير مسبوقة تجاوزت 13 تريليون جنيه، في مؤشر واضح على تزايد ثقة المواطنين في الجنيه كمخزن للقيمة، مقابل التراجع في حيازة الدولار لأغراض الادخار.

سر استمرار تراجع الدولار إمام الجنيه.. ماذا يعني ذلك؟

التحسن في سعر الصرف تظل مرهونة بهذا الأمر

رغم وجود تدفقات دولارية ملموسة قادمة من بعض الاستثمارات المباشرة، لا سيما الخليجية، إلى جانب تحسن تحويلات المصريين بالخارج والتي تجاوزت 32 مليار دولار خلال 11 شهرا، بالإضافة إلى استثمارات الأجانب في أدوات الدين، إلا أن الخبراء يرون أن هذه التدفقات لا ترقى بعد إلى مستوى التغيير الهيكلي المطلوب، بل تظل محفوفة بعوامل عدم استقرار تتعلق بالسوق العالمي وحالة التوترات الإقليمية.

ويشير الخبراء إلى أن استدامة التحسن في سعر الصرف تظل مرهونة بقدرة الدولة على تعزيز موارد النقد الأجنبي المستدامة، مثل تعظيم الصادرات الصناعية والزراعية، وتوسيع قاعدة الاستثمار الأجنبي المباشر، وضبط الاستيراد، وتوفير مناخ أكثر استقرارًا لقطاع السياحة.

المشهد الإقليمي يفرض الحذر والترقب

ما يعمق من الحذر في تفسير حركة سعر الدولار، هو بقاء المشهد الجيوسياسي في المنطقة على حاله، دون مؤشرات كبرى على تحولات حاسمة قد تغير من معادلة العرض والطلب على العملة الأمريكية، ما يجعل قرارات المستثمرين أقرب إلى الترقب والانتظار، سواء في الأسواق المالية أو في قطاعات التجارة والإنتاج.

سر استمرار تراجع الدولار إمام الجنيه.. ماذا يعني ذلك؟

والتحسن في سعر الدولار أمام الجنيه المصري، رغم كونه تطورا إيجابيا، لا يعكس حتى الآن تحولا هيكليا في السوق، بل يعكس مزيجا من العوامل المؤقتة والتحركات الفنية، مقابل مسار إصلاحي يحتاج إلى استكمال وتعميق.

ومع بقاء عوامل عدم اليقين قائمة في الأسواق العالمية، فإن استقرار الجنيه يظل مرهونا بقدرة الدولة على خلق مصادر دائمة للنقد الأجنبي، تضمن توازن السوق على المدى الطويل.