كيف وصل نهر النيل إلى الصحراء الغربية؟.. قصة «المصدر الشرقي» لري 700 ألف فدان في الدلتا الجديدة

تعمل الدولة المصرية في كل المجالات على عمل مشروعات قوية وضخمة تهدف لمستقبل أفضل، وفي خطوة طموحة وغير مسبوقة لنقل الحياة إلى قلب الصحراء الغربية، ينفَّذ حاليًا واحد من أكبر مشروعات الري في مصر، والمعروف بـ«المصدر الشرقي» لنقل مياه نهر النيل لري 700 ألف فدان ضمن مشروع «الدلتا الجديدة». المشروع يستهدف توصيل المياه العذبة مباشرة إلى أراضٍ بكر غرب البلاد، عبر مسار هندسي معقد يروي الصحراء بعد أن كان ذلك حلمًا بعيد المنال.
في هذا التقرير من بانكير نوضح كيف وصل نهر النيل إلى الصحراء الغربية؟.. وقصة «المصدر الشرقي» لري 700 ألف فدان في الدلتا الجديدة
مياه النيل.. من قناطر رشيد إلى عمق الصحراء
المياه المستخدمة في المشروع هي مياه عذبة من نهر النيل، حيث يبدأ المسار من مأخذ عند قنطرة تحكم فرع رشيد، بسعة سحب ضخمة تصل إلى 10 ملايين متر مكعب يوميًا. وبسبب الطبيعة الجغرافية للمكان، إذ أن الأرض المستهدفة أعلى من مستوى النهر، كان لا بد من رفع المياه عبر محطات ضخمة قبل أن تتمكن من الجريان بالجاذبية.

6 محطات رفع عملاقة.. و14 مضخة في المحطة الأولى
ولتحقيق هذا الإنجاز أنشئت 6 محطات رفع رئيسية عملاقة على طول المسار، نفذتها شركات مصرية كبرى، من بينها: حسن علام، حسن حسين، كونكورد، السويدي، ريدكون، تحت إشراف الهيئة الهندسية للقوات المسلحة وإدارة المياه.
المحطة الأولى وحدها تضم 14 مضخة عملاقة، بارتفاع يزيد على 15 مترًا للمضخة الواحدة، وبقدرة تصل إلى 10.2 متر مكعب في الثانية، فيما يصل وزن كل مضخة إلى حوالي 40 طن.

مسارات المياه.. أنابيب مدفونة وقنوات مكشوفة
يبلغ طول المسار الرئيسي 42 كم حتى بداية الأراضي المستهدفة، ثم يتفرع إلى شبكة من المسارات الرئيسية والفرعية، مغطاة (بمواسير) أو مكشوفة، تمتد لأكثر من 500 كم، لتغذية الأراضي الزراعية.
المسار يتضمن خطوط أنابيب مدفونة بأطوال تتجاوز 200 كم وأقطار تصل إلى 3.5 متر، صنعت خصيصًا للمشروع داخل مصر في مصانع مثل IPIC، Union، Innovo، الغرابلي، وأوراسكوم، مع استيراد جزء من المواسير لتغطية الاحتياجات.

عبور الطرق والسكك الحديدية والأنفاق
ولم يقتصر الإنجاز على الحفر والرفع فقط؛ بل نفذت أعمال صناعية دقيقة مثل عدايات للمياه أسفل الطرق السريعة (القاهرة-الإسكندرية الصحراوي، طريق الضبعة)، وخطوط البترول، والقطار الكهربائي السريع، وصولًا إلى عداية الرياح البحيري والناصري وخط سكك حديد إمبابة/إيتاي البارود، عند بداية المسار، بعمق يزيد على 30 مترًا.
كما نفذت خطوط دفع نفقية بأقطار تصل إلى 3.96 متر، صنعتها شركة المقاولات والصناعات التخصصية بوادي حوف، ونفذتها شركات حسن علام، السويدي، وبيجيسكو في زمن قياسي.

العمل مستمر.. والتوسع قائم
رغم بدء تشغيل المشروع جزئيًا منذ نهاية يونيو 2025، عقب الانتهاء من المسار الرئيسي ومحطات الرفع، ما تزال الأعمال مستمرة لتوسيع الحفر وإنشاء محطات رفع إضافية لري المزيد من الأراضي.
إنجاز هندسي ودروس للأجيال
المشروع الضخم، بتعقيداته الهندسية وتقنياته المبتكرة، أصبح نموذجًا يحتذى ويستحق أن يُدرّس في كتب الهندسة والمناهج التعليمية، كإنجاز مصري بأيادٍ وطنية.