قفزة عالمية وتراجع محلي.. ماذا يحدث في سوق الذهب؟

بينما تشتعل الأسواق العالمية بارتفاعات متسارعة في أسعار الذهب مدفوعة بتقلبات السياسة والاقتصاد، يشهد السوق المصري حركة معاكسة، حيث تراجعت الأسعار المحلية رغم الصعود العالمي.
هذا المشهد المتناقض يثير تساؤلات كثيرة حول أسباب هذا الانفصال، والعوامل التي تحرك أسعار الذهب في الداخل والخارج، وسط حالة من الترقب تسود الأوساط الاقتصادية خاصة قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية خلال الأيام القليلة المقبلة، والتي قد تعيد تشكيل خريطة الأسواق.
أسعار الذهب في مصر
وشهدت الأسواق المحلية أول تحرك في أسعار الذهب منذ أكثر من عشرة أيام، إلا أن الاتجاه كان نحو الهبوط، بعكس ما تشهده البورصات العالمية من صعود ملحوظ.
أسعار الذهب في مصر سجلت انخفاضا خلال تعاملات صباح الأربعاء 11 يونيو 2025، ذلك بعد فترة من الثبات التام، وهذا التراجع المفاجئ جاء بعد تحديث شعبة الذهب للأسعار، والتي أظهرت هبوطا بنحو 30 جنيها في الجرام الواحد بمختلف الأعيرة.
وسجل سعر جرام الذهب عيار 21 نحو 4670 جنيها، بينما سعر جرام الذهب عيار 18 بلغ 4002 جنيه، أما سعر جرام الذهب عيار 24 سجل 5337 جنيها.

أسعار الذهب عالميا تواصل الصعود
وفي الأسواق العالمية، واصل الذهب تحقيق مكاسب جديدة، مدعوما بحالة من القلق والترقب تسيطر على المستثمرين، وسط تطورات سياسية واقتصادية تمهد لمزيد من التذبذبات خلال الفترة المقبلة.
وسجلت أوقية الذهب ارتفاعا جديدا في تعاملات اليوم لتصل إلى 3338 دولارا، وفق بيانات البورصة العالمية، في حين سجلت في المعاملات الفورية زيادة بنسبة 0.2%، بعد أن تراجعت في وقت سابق إلى أدنى مستوى لها عند 3301.54 دولارا.
ماذا يحدث في سوق الذهب؟
وترتبط هذه التحركات بحالة ترقب سائدة في الأوساط الاقتصادية العالمية، خاصة قبيل صدور بيانات التضخم الأمريكية خلال الأيام القليلة المقبلة، والتي من المتوقع أن تُلقي بظلالها على توجهات مجلس الاحتياطي الفيدرالي بشأن أسعار الفائدة.
كما تلعب التوترات المستمرة بين الولايات المتحدة والصين دورا كبيرا في دعم أسعار الذهب عالميا، حيث يظل المشهد التجاري العالمي غامضا، مما يعزز من إقبال المستثمرين على المعدن الأصفر باعتباره ملاذا آمنا في أوقات الأزمات.
وفي تصريحات خاصة لموقع بانكير، كشف لطفي المنيب، نائب رئيس شعبة الذهب، عن التحولات الجوهرية التي طرأت على سوق الذهب منذ مطلع العام الجاري، مشيرا إلى أن الأسعار دخلت في موجة تقلبات حادة بدأت مع ارتفاع سعر الأوقية إلى نحو 2600 دولار في يناير، قبل أن تتسارع الاضطرابات مع توالي التطورات السياسية والاقتصادية.
وأوضح المنيب أن الشرارة الأولى لهذه الاضطرابات انطلقت مع عودة دونالد ترامب لرئاسة الولايات المتحدة، حينما أعاد تفعيل سياسات الحماية الاقتصادية وفرض رسوم جمركية مرتفعة على الواردات الصينية وصلت إلى 145%، مما دفع الصين للرد برسوم مضادة بنسبة 125%، ليتحول الصراع إلى حرب تجارية مفتوحة انعكست مباشرة على أسواق الذهب، التي لجأ إليها المستثمرون كملاذ آمن، لترتفع الأسعار إلى مستويات غير مسبوقة بلغت 3500 دولار للأوقية.

انفراج نسبي في التوترات يعيد ضبط السوق
وأضاف نائب رئيس شعبة الذهب أن إعلان الإدارة الأمريكية لاحقًا خفض الرسوم الجمركية وفتح قنوات تفاوض مع الصين والاتحاد الأوروبي، ساهم في تهدئة نسبية للأسواق، ما دفع أسعار الذهب إلى التراجع واستقرارها عند حدود 3200 دولار للأوقية.
لكن هذا الهدوء لم يدم طويلًا، وفقًا للمنيب، إذ عادت الأسواق مجددًا إلى حالة من الترقب مع اقتراب انتهاء المهلة التي حددها ترامب لإتمام المفاوضات، ما أعاد الزخم للذهب، ورفعت الأسعار إلى 3340 دولارًا للأوقية، وسط ضبابية المشهد التجاري بين القوى الثلاث.
مستقبل الذهب مرهون بماذا؟
وحول التوقعات المستقبلية، أكد المنيب في تصريحاته لـ بانكير، أن مصير أسعار الذهب العالمية سيتحدد بشكل كبير وفقا لما ستسفر عنه جولات التفاوض المقبلة، موضحًا أن التوصل إلى اتفاق شامل سيقود إلى تهدئة الأسواق واستقرار الأسعار، وربما تراجعها بشكل طفيف حال حدوث اختراق حقيقي في العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.
وشدد على أن السوق المصري يتأثر بشكل مباشر بحركة السعر العالمي، خاصة في ظل ارتباطه الوثيق بالسوق الدولية، لافتا إلى أن أي استقرار عالمي سينعكس على السوق المحلي، مع الأخذ في الاعتبار التغيرات المرتبطة بسعر الصرف.

السوق المحلي يستفيد من وفرة الدولار
وتحدث المنيب عن الوضع الداخلي، مؤكدًا أن السوق المحلي يشهد حالة من الاستقرار النسبي، بفضل تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، وعلى رأسها ارتفاع الاحتياطي النقدي من العملة الصعبة، والذي ساعد البنوك على تلبية احتياجات المستوردين من الدولار، وهو ما أسهم في ضبط حركة السوق وتقليص الضغوط على أسعار الذهب.
وقال: "توفر النقد الأجنبي عزز من مرونة السوق المحلي، وقلل من أي تأثير داخلي قد يغير مسار أسعار الذهب، لتظل مرهونة بشكل أساسي بالتطورات العالمية".
سيناريو يوليو الأقرب.. إلى أين تتجة أسعار الذهب؟
وفي ختام تصريحاته، رجّح لطفي المنيب أن يشهد شهر يوليو المقبل انفراجة على صعيد العلاقات التجارية، قائلاً: "إذا نجحت الولايات المتحدة في التوصل لاتفاق مع الصين والاتحاد الأوروبي، فستستقر أسعار الذهب أو ربما تتراجع قليلاً، وهو ما سينعكس مباشرة على السوق المحلي، الذي سيتبع نفس الاتجاه سواء بالثبات أو الانخفاض الطفيف".

توقعات بالصعود إلى 3600 دولار
وكشفت تقارير متخصصة أن المؤشرات الدولية تحمل إشارات واضحة على أن أسعار الذهب قد تشهد مزيدا من الصعود خلال الشهور القادمة، بدعم من استمرار الضبابية الجيوسياسية وتنامي الطلب من المؤسسات المالية الكبرى.
وترجح التقارير أن يصل سعر الأوقية إلى مستويات 3600 دولار خلال النصف الثاني من 2025، خاصة مع التوسع الملحوظ في شراء الذهب من قبل البنوك المركزية حول العالم، بالإضافة إلى تزايد إقبال المستثمرين على الذهب كأداة للتحوط ضد التضخم والمخاطر السياسية.
ويرى محللون أن بقاء الظروف الراهنة، لا سيما الغموض المحيط بالتوجهات الاقتصادية في الولايات المتحدة والصين، سيدعم بقاء الذهب على مسار صاعد، ما قد يدفع الأسواق نحو ذروة جديدة في تاريخ أسعار المعدن الأصفر.