ماذا ينوي البنك المركزي المصري بالاجتماع المقبل لحسم الفائدة بعد القفزة الكبيرة في معدل التضخم؟

شهدت معدلات التضخم في مصر تحولا مفاجئا في مسارها خلال مايو 2025، بعد أشهر من التراجع، حيث كشفت بيانات حديثة صادرة عن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، عن ارتفاع التضخم السنوي بالمدن المصرية إلى 16.8%، مقارنة بنسبة 13.9% تم تسجيلها في أبريل الماضي.
ويرى خبراء أن جزءا كبيرا من هذا الارتفاع يعود لما يعرف بـ"تأثير سنة الأساس"، حيث تتم مقارنة الأسعار الحالية بمستويات منخفضة نسبيا كانت سائدة في مايو من العام الماضي، ما أدى إلى تضخيم معدل النمو السنوي للأسعار بشكل يبدو حادًا.
ماذا سيحدث في اجتماع البنك المركزي المقبل؟
يأتي هذا التسارع في التضخم بينما يراقب البنك المركزي عن كثب مدى استقرار الأسعار على المدى المتوسط، خاصة بعد أن قرر خفض سعر العائد على الإقراض لليلة واحدة بمقدار 225 نقطة أساس في اجتماع 17 أبريل، تبعه خفض إضافي بمقدار 100 نقطة أساس في 22 مايو، ليصل إلى مستوى 26%.
محمد أبو باشا، كبير الاقتصاديين في "إي.إف.جي هيرميس"، أكد أن القفزة الأخيرة في معدل التضخم لا تعني بالضرورة تبدد الاتجاه الهبوطي الذي بدأ منذ نهاية 2023، معتبرًا أن ما حدث هو "عقبة مرحلية" ناتجة عن تأثيرات حسابية وليست مؤشرات على موجة تضخمية جديدة.
وقال أبو باشا: "نرى أن هذه القفزة غير مقلقة، ولا تعكس تغيرًا جوهريًا في المسار العام للتضخم، بل هي نتيجة مباشرة لقاعدة المقارنة مع أشهر سابقة سجلت فيها الأسعار مستويات منخفضة للغاية".

القرار المنتظر: التثبيت الأقرب.. وخفض تدريجي قبل نهاية العام
مع تسجيل معدلات التضخم ارتفاعًا مفاجئًا خلال مايو، أعاد الخبراء حساباتهم بشأن المسار المتوقع للسياسة النقدية خلال النصف الثاني من العام.
وكشفت تقارير اقتصادية متخصصة أن البنك المركزي قد يلجأ إلى تثبيت أسعار الفائدة في اجتماعه القادم، في ظل تآكل الفائدة الحقيقية الناتجة عن تسارع التضخم، ويعتقد هؤلاء أن الحذر سيكون العنوان الأبرز لاجتماع يوليو، لتفادي اتخاذ قرارات متسرعة قد تؤثر سلبًا على استقرار السوق النقدي.
وبحسب تحليل عدد من الخبراء، فإن الارتفاع الأخير في معدلات التضخم – رغم كونه مرتبطا جزئيًا بتغير سنة الأساس – لا يمكن تجاهله عند رسم خريطة أسعار الفائدة، خاصة مع استمرار الضغوط الناتجة عن إصلاحات دعم الطاقة، وزيادة تكاليف التشغيل محليًا، وهو ما يُبقي على مستويات الأسعار مرتفعة نسبيًا.
خفض الفائدة ما يزال مطروحا
ورغم التوقعات بتثبيت الفائدة في الاجتماع المقبل، إلا أن الاتجاه العام حتى نهاية 2025 لا يزال يشير إلى خفض تدريجي للفائدة، لكن بوتيرة محسوبة لا تتجاوز في مجملها 700 نقطة أساس.
ويتوقع خبراء أن يتم خفض إضافي بنحو 1% خلال الاجتماعات التالية، مع إمكانية إنهاء العام بإجمالي تخفيض يتراوح بين 3% و3.5%، وهو ما سيُبقي على الفائدة الحقيقية عند مستويات آمنة لا تقل عن 3%.
ويشير محللون إلى أن ارتفاع معدلات الفائدة الحالية مقارنة بالتضخم لا يزال يوفر مساحة مريحة أمام المركزي لمزيد من التيسير النقدي خلال ما تبقى من 2025، لكن بشرط التأكد من استمرار التضخم في مساره الهبوطي.
ويؤكدون أن معدل الفائدة الحقيقي لا يزال يتجاوز 7%، وهو ما يمنح صانع القرار النقدي مرونة أكبر، دون الإضرار بجاذبية أدوات الدين المحلي أو استقرار الجنيه.

قرار البنك المركزي.. بين الحذر النقدي والطموح الاقتصادي
في ضوء هذه التوقعات، تبدو السياسة النقدية المصرية أمام مفترق طرق: الحفاظ على استقرار السوق عبر تثبيت الفائدة مؤقتًا، أو المضي قدما في خفض تدريجي مدروس يتماشى مع تطورات التضخم.
وبين هذا وذاك، يجمع المراقبون على أن قرارات المركزي في الفترة المقبلة ستكون شديدة الترابط مع نجاح برنامج الإصلاح، ومدى قدرة الحكومة على كبح جماح الأسعار دون التأثير على معدلات النمو والاستثمار.