الاستثمارات الجديدة.. مصر تتحول إلى مركز إقليمي للصناعات المتقدمة

تسارع مصر الخطى نحو تحقيق طفرة اقتصادية من خلال استثمارات جديدة في قطاعات حيوية مثل صناعة السيارات الكهربائية، وإطارات السيارات، وبطاريات السيارات، وغيرها من الاستثمارات الجديدة التي تعزز النمو الاقتصادي وتعبد مصر للريادة الصناعية في منطقة الشرق الأوسط.
ونستعرض في هذا التقرير من بانكير، خريطة الاستثمارات الجديدة في مصر، والتي تهدف إلى تعزيز التصنيع المحلي، وتقليل الاعتماد على الواردات، وخلق فرص عمل جديدة، وتحويل مصر إلى مركز إقليمي للصناعات المتقدمة.
صناعة السيارات الكهربائية في مصر

بدأت مصر أولى خطواتها الجادة في توطين صناعة السيارات الكهربائية في أبريل 2021، بتوجيهات من الرئيس عبد الفتاح السيسي، ضمن استراتيجية قومية تستهدف تعزيز الاقتصاد الأخضر وتقليل الانبعاثات الكربونية، بما يتماشى مع رؤية مصر 2030.
وجاءت البداية من خلال عقد شراكات مع كيانات دولية، أبرزها اتفاق شركة النصر للسيارات مع "دونج فينج" الصينية لإنتاج 25 ألف سيارة سنويا، بنسبة مكون محلي وصلت إلى 50% في المرحلة الأولى، وفق بيانات وزارة قطاع الأعمال العام عام 2022.
وشهد صناعة السيارات الكهربائية في مصر عام 2024 قفزة نوعية، مع تدفق الاستثمارات الأجنبية، حيث وقعت شركة "بايك" الصينية اتفاقا مع "ألكان" المصرية لإنشاء مصنع على مساحة 120 ألف متر مربع، بطاقة إنتاجية متوقعة 20 ألف سيارة سنويا، ومكون محلي نسبته 48%، بحسب ما أعلنته الشركة في أكتوبر من نفس العام.
وفي نوفمبر 2024، تم الإعلان عن تدشين ثلاثة مصانع جديدة لشركات "بروتون" الماليزية، و"أكسيدا" الصينية، ومشروع مشترك لشركة "النصر" مع شريك صيني، ما ساهم في رفع الطاقة الإنتاجية الإجمالية إلى نحو 45 ألف سيارة سنويا، إلى جانب توسع شبكة محطات الشحن إلى 150 محطة، مع خطط لمضاعفتها بحلول 2026.
ووفقًا لتقرير "بلومبرج للتمويل المستدام" الصادر عام 2024، فإن موقع مصر الجغرافي وحزمة الحوافز الاستثمارية يمنحانها فرصة استثنائية لتصبح مركزا إقليميا لتصنيع السيارات الكهربائية، كما تساهم هذه الصناعة في خفض فاتورة استيراد الوقود، التي تجاوزت 10 مليارات دولار في 2023، فضلا عن دعم أهداف مصر البيئية لخفض الانبعاثات بنسبة 37% بحلول عام 2030.
توطين صناعة إطارات السيارات في مصر
تواصل الدولة المصرية خطواتها الجادة نحو تعزيز الصناعات الاستراتيجية، وفي مقدمتها صناعة إطارات السيارات، لتقليل الاعتماد على الاستيراد وتلبية احتياجات السوق المحلي المتزايدة.
وفي هذا الإطار، عقد رئيس مجلس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولي، اجتماعا هامة في يناير الماضي مع وفد رفيع المستوى من الشركة الصينية الوطنية للإطارات، إحدى أكبر الكيانات العالمية المتخصصة في هذا المجال، وأكد رئيس الوزراء أن صناعة الإطارات تعد من الصناعات ذات الأولوية القصوى، مشيرا إلى حرص الحكومة على تقديم الدعم الكامل للشركات الراغبة في الاستثمار أو التوسع داخل السوق المصري، خاصة في ظل الطلب المرتفع على الإطارات بأنواعها المختلفة، والذي يتم تغطيته حاليًا عبر الاستيراد بنسبة كبيرة.
مصنع الإسكندرية ينتج 1.1 مليون إطار سنويا
تمتلك الشركة الصينية الوطنية للإطارات مصنعًا قائمًا في منطقة العامرية بمحافظة الإسكندرية، عبر ذراعها المحلية "بروميتون للإطارات إيجيبت"، وتبلغ مساحته 300 ألف متر مربع، ينتج المصنع سنويا نحو 1.1 مليون إطار لسيارات النقل الثقيل، يوجه منها حوالي 70% للتصدير، ويوفر ما يقرب من 2000 فرصة عمل مباشرة.
وأعلنت الشركة الصينية، خلال الاجتماع، عن خطتها لضخ استثمارات جديدة في مصر على مرحلتين، المرحلة الأولى سيتم فيها مضاعفة الطاقة الإنتاجية لمصنع النقل الثقيل القائم، بهدف تغطية كامل الطلب المحلي وزيادة الحصة التصديرية، أما المرحلة الثانية، فيتشهد إنشاء مصنع جديد لإنتاج إطارات السيارات الملاكي، على مساحة 180 ألف متر مربع بجوار المصنع الحالي.
دعم الحكومة لصناعة إطارات السيارات في مصر

الفريق مهندس كامل الوزير، نائب رئيس الوزراء للتنمية الصناعية، أوضح أن الحكومة وفرت بالفعل قطعة الأرض المطلوبة للمصنع الجديد، إلى جانب جميع البيانات الفنية والاقتصادية التي تمكن الشركة من سرعة إنهاء دراساتها، مشيرا إلى أن هناك توافقا على أهمية تقليص المدة الزمنية اللازمة لدراسة المشروعين تمهيدا لبدء التنفيذ الفعلي.
نمو صناعة قطع غيار السيارات في مصر
تشهد صناعة قطع غيار السيارات في مصر نموا ملحوظا مدعوما باستثمارات أجنبية ومحلية، ووفقا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، بلغت قيمة واردات مصر من قطع غيار السيارات 6.5 مليار دولار في عام 2024، بزيادة 30.8% مقارنة بعام 2023، مما يعكس الطلب المتزايد على هذه المكونات.
ومع ذلك، تسعى مصر إلى تقليل هذا الاعتماد على استيراد قطع غيار السيارات من الخارج، وذلك عبر توطين الصناعة، وهو ما ظهر جليا، حينما أعلنت شركة "سوميتومو" اليابانية عن إنشاء أكبر مصنع في العالم لإنتاج ضفائر السيارات الكهربائية في مصر، بالتعاون مع "السويدي إليكتريك" في منطقة منشأة كامل بمحافظة الفيوم.
هذا المشروع يعزز قدرات مصر في تصنيع مكونات أساسية تدعم صناعة السيارات الكهربائية، كما أنه يوفر هذا حاليا نحو 73,200 فرصة عمل، وفقا للمنظمة الدولية لمصنعي السيارات، مع توقعات بزيادة هذا العدد مع التوسع في الإنتاج المحلي، كما سيسهم توطين تصنيع قطع الغيار في تقليل فاتورة الاستيراد، التي تمثل 10% من إجمالي الواردات المصرية البالغة 90 مليار دولار سنويا.
صناعة بطاريات السيارات: خطوة نحو الاكتفاء الذاتي
تعد بطاريات السيارات، وخاصة بطاريات الليثيوم أيون للسيارات الكهربائية، عنصرا حاسما في تقليل تكاليف الإنتاج، وتشكل 30-40% من تكلفة السيارة الكهربائية، مما يجعل تصنيعها محليًا أولوية استراتيجية.
وفي هذا الإطار، بدأت شركة "النصر للسيارات" تجهيز مصنع متخصص لإنتاج بطاريات الليثيوم أيون بالتعاون مع شركاء أجانب، في إطار خطة التحول نحو الطاقة النظيفة، كما تدعم الحكومة هذا القطاع بحوافز ضريبية وجمركية لتشجيع الاستثمار.
وسيؤدي تصنيع البطاريات محليا إلى خفض تكاليف إنتاج السيارات الكهربائية، مما يعزز القدرة التنافسية للمنتجات المصرية ويوفر فرص عمل في الصناعات المغذية.
الطاقة المتجددة في مصر

يُعد قطاع الطاقة المتجددة من أسرع القطاعات نموا، حيث تستهدف مصر إنتاج 42% من احتياجاتها من الطاقة من مصادر متجددة بحلول 2035، ومن أبرز الاستثمارات في هذا القطاع مشروع بنبان للطاقة الشمسية، وهو أكبر مجمع شمسي في العالم بقدرة 1.8 جيجاوات، بتكلفة 2.2 مليار دولار، ووفر أكثر من 10,000 فرصة عمل في مصر.
كما يعد مشروع محطة نجع حمادي الشمسية، والذي انشئ بالشراكة مع "سكاتك" النرويجية، بقدرة 1 جيجاوات، بتكلفة 1 مليار دولار، واحد من أهم مشروعات الطاقة المتجددة لتزويد مجمع مصر للألومنيوم، مع اكتمال المرحلة الأولى (500 ميجاوات) بحلول ديسمبر 2025.
كما تعد مشروعات في خليج السويس وجبل الزيت بقدرة إجمالية 1700 ميجاوات، باستثمارات 4 مليارات جنيه، تشمل محطة رياح بقدرة 250 ميجاوات تم تشغيلها في 2023، واحدة من أهم المشروعات في هذا القطاع، بالإضافة إلى خط الربط مع السعودية بقدرة 3000 ميجاوات (1.8 مليار دولار) والذي سيعزز يعزز تصدير الطاقة، مع خطط لتوسيع الربط مع الأردن إلى 2000 ميجاوات.
ومما لا شك فيه، أن مصر تعد الآن واحدة من أكثر الوجهات الاستثمارية جاذبية في المنطقة، مدعومة بإصلاحات اقتصادية شاملة، وبنية تحتية متطورة، و التوسع في فتح آفاق متعددة أمام الاستثمارات الجديدة، ستجعل من مصر مركز إقليمي للصناعات المتقدمة.