نيرك.. تنين صناعي مصري لتوطين صناعة السكك الحديدية
في قلب المنطقة الصناعية بشرق بورسعيد، تنبض الشركة الوطنية المصرية لـ صناعات السكك الحديدية “نيرك” بحيوية تنين صناعي، لتعيد تشكيل مستقبل صناعة النقل في مصر، تلك الشركة التي تأسست عام 2020 كشركة مساهمة مصرية، برؤية طموحة لتوطين صناعة السكك الحديدية، ليس فقط لتلبية الاحتياجات المحلية، بل لتكون مركزا إقليميا وعالميا لإنتاج الوحدات المتحركة بالجر الكهربائي، من عربات المترو إلى القطارات السريعة.
الشركة الوطنية المصرية لصناعات السكك الحديدية “نيرك”، جاءت في إطار استراتيجية الدولة المصرية لتحقيق رؤية 2030، التي تهدف إلى تعزيز التنمية الاقتصادية وتوفير فرص العمل وتقليل الاعتماد على الاستيراد، وتوطين الصناعات الثقيلة.
مجمع صناعي بمعايير عالمية
يقع مصنع "نيرك" على مساحة 300 ألف متر مربع في المنطقة الاقتصادية لقناة السويس، وهو مصمم ليكون مجمعا صناعيا متكاملا بطاقة إنتاجية تصل إلى 300 وحدة سنويا.
وبدأت تجارب التشغيل في يوليو 2025، على أن يتم إنتاج أول عربة مترو في أغسطس 2025، وخروج أول قطار كامل في يوليو 2026، وفقًا للجدول الزمني المعتمد من الهيئة القومية للأنفاق.
ويتميز المصنع بتبني أحدث التكنولوجيات العالمية من خلال شراكات استراتيجية مع عمالقة الصناعة مثل "هيونداي روتيم" الكورية الجنوبية، و"تالجو" الإسبانية، و"بومبارديه" الكندية، مما يضمن إنتاج منتجات بجودة عالمية تفوق في بعض الجوانب المنتجات المستوردة.
منتجات بجودة عالمية تلبي السوق المحلي
تعمل "نيرك" على تصنيع مجموعة متنوعة من الوحدات المتحركة، تشمل:
- قطارات المترو، حيث تم توقيع عقد لتوريد 40 قطارا (320 عربة) للخطين الثاني والثالث لمترو القاهرة بنسبة مكون محلي 30%، و21 قطارا (189 عربة) لمترو الإسكندرية الإقليمي بنسبة مكون محلي 35%.
- عربات السكك الحديدية، حيث تم إنتاج 500 عربة ركاب (درجة أولى وثانية وبوفيه) بنسبة مكون محلي تصل إلى 70%.
- مصنع مخصص لإعادة تأهيل القطارات الكهربائية القديمة بطاقة 125 وحدة سنويا.
هذه المنتجات لا تلبي فقط الطلب المحلي المتزايد، حيث تشير التوقعات إلى حاجة مصر لأكثر من ألف وحدة متحركة للمترو وألف وحدة أخرى للسكك الحديدية خلال العقد القادم، بل تتميز بجودة عالية تنافس المنتجات العالمية.
فعلى سبيل المثال، تعتمد "نيرك" على تصميمات حديثة تتضمن كفاءة في استهلاك الطاقة، وأنظمة تكييف متقدمة، وراحة أكبر للركاب، مما يجعلها خيارا مفضلا مقارنة بالوحدات المستوردة.
دور “نيزك” في تعزيز التصدير وتوفير العملة الصعبة
تتجاوز رؤية "نيرك" حدود السوق المحلي إلى استهداف الأسواق الإقليمية والإفريقية، حيث تتمتع مصر بموقع جغرافي استراتيجي واتفاقيات تجارة حرة مع الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي.
وتهدف الشركة إلى تصدير الوحدات المتحركة ومستلزمات السكك الحديدية، مما يسهم في توفير العملة الصعبة وتقليل فاتورة الاستيراد التي كانت تثقل كاهل الاقتصاد المصري، كما أن المشروع يوفر موارد كبيرة من النقد الأجنبي، حيث كانت الواردات تشكل جزءا كبيرا من تكلفة هذا القطاع.
شراكات عالمية ونقل تكنولوجي
تعتمد "نيرك" على شراكات مع كبرى الشركات العالمية لنقل التكنولوجيا وتطوير القدرات المحلية، فعلى سبيل المثال، وقعت مذكرة تفاهم مع "هيونداي روتيم" لتوطين صناعة قطارات المترو، مع خطة لزيادة نسبة المكون المحلي من 25% إلى 75% خلال 6 سنوات.
كما عقدت اتفاقية مع "جانز موتور" المجرية لتصنيع وصيانة عربات "جانز ترايلر بوجي" بسرعة 160 كم/ساعة، وهذه الشراكات لا تقتصر على الإنتاج، بل تشمل تدريب المهندسين والفنيين المصريين، مما يعزز الكفاءات الوطنية ويضمن استدامة الصناعة.
توطين صناعة السكك الحديدية
يأتي مشروع "نيرك" في إطار توجيهات الرئيس عبد الفتاح السيسي بتوطين الصناعات الاستراتيجية، حيث أكد وزير النقل كامل الوزير أن التعاقدات المستقبلية لن تشمل استيراد عربات إلا إذا تضمنت نسبة كبيرة من التصنيع المحلي، ويسهم المشروع في:
- توفير أكثر من 2000 فرصة عمل مباشرة وغير مباشرة، خاصة لشباب مدن القناة.
- تطوير سلسلة الإمداد، حيث أن المشروع يدعم الموردين المحليين وإنشاء صناعات مغذية، مما يعزز القيمة المضافة للاقتصاد.
- تعزيز التنمية المستدامة من خلال إنتاج وحدات متحركة تدعم النقل الأخضر، مثل القطارات الكهربائية التي تقلل الانبعاثات.
صناعة السكك الحديدية مستقبل واعد
مع استثمارات مبدئية بقيمة 240 مليون دولار، وخطط للوصول إلى 10 مليارات دولار خلال السنوات القادمة، تُعد "نيرك" نموذجا للشراكة الناجحة بين القطاعين العام والخاص.
وبمساهمة الهيئة الاقتصادية لقناة السويس (12%)، وصندوق مصر السيادي، وشركات مثل "أوراسكوم" و"سامكريت"، تؤسس "نيرك" لقاعدة صناعية متطورة تضع مصر على خريطة الصناعات الثقيلة العالمية.
